تنافس إقليمي محموم على التواجد داخل قطاع غزة

حميد قرمان

لم تضع الحرب في قطاع غزة أوزارها بضغط أميركي–عربي، إلا وبدأ مبكرًا صراع خفي ما زالت ملامحه تتشكّل على أرض يملؤها الركام وفوضى الاقتتال بين مجموعات تبحث عن ممول يمدّها بأسباب الاستمرار، وسط تعقيدات مساحات تحصرها خطوط صفراء وحمراء وزرقاء.

بين بقايا حكم حركة حماس ومحاولات عودة السلطة الفلسطينية، تدفع قوى إقليمية باتجاه تهيئة معالم نفوذ على أرض القطاع، عبر مشاريع وأجندات تتسرّب بين تناقضات سعي إسرائيلي للحفاظ على ما حققه خلال العامين السابقين من إخراج ساحة غزة من دائرة المحور الإيراني، دون الاصطدام مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الراغبة في تثبيت مشروع عربي حقيقي تقوده المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر، والمملكة الأردنية الهاشمية، ودولة الإمارات، لتحقيق سلام مستدام في الشرق الأوسط دون العودة إلى سيرة الحرب؛ تلك التي تتكرر حلقاتها كل عدة سنوات، وتعيد المنطقة إلى مربعها الأول.

بتوصيف سياسي مختصر؛ عناصر متداخلة ومتقاطعة سترسم المشهد المقبل في القطاع، ضمن معادلات: ملف الإعمار، ونشر قوة دولية يجري التحضير لقرار أممي بشأنها، ومدى التزام ما تبقّى من عناصر حماس – دون تمرد بات مرصودًا – بتنفيذ خطة ترامب تحت رقابة إسرائيلية صارمة.

غزة بيئة خصبة تتوفر فيها مسببات سياسية واقتصادية لتمدد قوى إقليمية تسعى للاحتفاظ بموطئ قدم متقدم داخل خارطة الشرق الأوسط. أجندات إيران ما زالت قائمة، ومخططات تركيا جامحة؛ تدرك إسرائيل أنها أمام خطر انهيار ما سعت لتكريسه منذ السابع من أكتوبر عام 2023، إن لم تقطع الطريق أمام أي مسعى محتمل لإعادة بناء قوة سياسية مسلحة على أرض القطاع، خاصة وأن الصورة داخل حماس باتت منقسمة بين تيار يعيد ترتيب أوراقه وفقًا لما يمليه عليه نظام الملالي في طهران، وتيار بصبغة إخوانية منساق تمامًا مع نظام رجب طيب أردوغان؛ الذي يرى في القطاع فرصة لخلق توازن مطلوب لتمرير مخططاته في الداخل السوري.

في المقابل، يُعنى بنيامين نتنياهو باستمرار تذاكي قادة حماس، والاستثمار في تضخيم إمكانياتهم وقدراتهم، وتأزيم مفتعل لقضية تسليم ما تبقّى من جثث الأسرى الإسرائيليين، كمفاتيح لاستكمال مخططات ائتلافه اليميني الحاكم باتجاه تهجير سكان غزة من ناحية، ومن ناحية أخرى لقطع الطريق أمام طموحات إقليمية ترى في توظيف إفرازات الصراع في المنطقة بوابة عبور نحو عقل السياسي الأمريكي، الذي يحتاج إلى لاعبين إقليميين يحققون مصالحه في ظل تطورات متلاحقة على المسرح الدولي.

إسرائيل أمام معضلة حقيقية إذا ما استمر بنيامين نتنياهو في لهثه لتأمين شعبية انتخابية، في ظل عجز مقارباتها السياسية والعسكرية، ضمن مدة زمنية هي أقل من عام من عمرها الافتراضي قبيل إجراءات الانتخابات المقبلة. أما الدول العربية، فهي أمام معضلة من نوع آخر؛ إنهاء الحالة المليشياوية، وعلى رأسها سلاحا حزب الله وحماس، إذ لا يمكن الوصول إلى استقرار الشرق الأوسط في ظل تضارب المصالح وحسابات المحاور التي لا تزال تتسيّد المشهد، وإن حاول البعض إخفاءها.

فلسطينيًا، استمرار البقاء في دائرة الانقسام، وما نتج عنه من إخفاق على صعيدين: حماية الشعب الفلسطيني، وإدامة صموده أمام أهوال الحرب، وانعكاسه على الخروج بتوافق وطني على مسار انتقالي لليوم التالي، أضعف القدرة على إدارة غزة والتعامل مع نتائج الخناق الإسرائيلي المتواصل. فيبقى الخيار الأنسب هو تدويل مسألة غزة، وإدارتها من خلال لجنة مؤقتة تضم مربع الدول العربية: السعودية، الأردن، الإمارات، ومصر، لتمكين السلطة الفلسطينية من القيام بمهامها على أرض القطاع.