توجه واعد لإنقاذ سوريا

افتتاحية الخليج

فرض الوضع المستجد في سوريا نفسه على المنطقة، وأصبحت تداعياته والحيلولة دون خروجه عن السيطرة، الشغل الشاغل للدبلوماسية العربية والدولية، على أمل أن يعرف هذا البلد العربي الذي عانى طويلاً، الأمن والاستقرار، ويحفظ وحدته الترابية ويفتح صفحة جديدة تحقق تطلعات شعبه في الأمن والتنمية والحياة الكريمة.

بعد أقل من أسبوع من سقوط نظام بشار الأسد، شهدت مدينة العقبة الأردنية سلسلة اجتماعات عربية ودولية، شاركت فيها دولة الإمارات ممثلة بسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، في محاولة لرسم ملامح مستقبل سوريا بعيداً عن التجربة المريرة السابقة.
وكانت مخرجات أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية واعدة، وتعكس وعياً وتوجهاً عربياً لدعم مسار انتقالي سياسي سلمي بمنأى عن نزعات التطرف والإرهاب. وهذا الطموح يمكن أن يكون مشروعاً ومشروطاً بدعم عربي ودولي مسؤول، وضمان تمثيل جميع المكونات السورية في عملية سياسية جامعة تفضي إلى تشكيل نظام مدني جديد عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استناداً إلى دستور جديد يقره السوريون، وضمن مواعيد محددة وآليات يتم التوافق عليها.

وبالنظر إلى الإرث الذي خلفته الأزمة، والأخطاء التي ارتكبها النظام السابق، على مدار أكثر من نصف قرن، يبدو الاستحقاق عالي السقف ومحفوفاً بالتهديدات والمخاطر، وهو ما يستدعي إلى جانب توحيد كلمة السوريين، الحد من التدخلات الإقليمية والدولية في البلد، والتزام كل الأطراف بمنع تفاقم الأزمات، حرصاً على استقرار المنطقة وتجنيبها مزيداً من الهزات العنيفة.

والتحدي الأكبر الآن، أن تترجم كل هذه التطلعات والأهداف التي تتداولها المناقشات والمؤتمرات إلى واقع ملموس، يمكن أن يُحدث المفاجأة ويطوي صفحة الماضي بكل آلامها ومآسيها، ويدشن عهداً جديداً يضمن لكل السوريين حقوقهم في العدالة والمساواة ويصون لهم سيادتهم الوطنية.
من المبكر التكهن بالمسار الذي ستتجه إليه التطورات السورية، في ظل قلق متزايد من انهيار المؤسسات الحيوية للدولة، خصوصاً بعد الضربات العدوانية الإسرائيلية التي استهدفت البنى التحتية للجيش السوري، ومراكز بحثية مدنية، وهو تصرف ينم عن نوايا خبيثة تدفع لصناعة دولة فاشلة لعقود، لتكون مسرحاً للفوضى وعدم الاستقرار، وتخلق ذرائع للتدخل الأجنبي في سوريا وغيرها من أقطار المنطقة، وهذا المخطط يجب أن يسقط لأنه واحد من التهديدات المباشرة للاستقرار، بينما يتطلب الوضع التركيز لإنهاء كل أزمات المنطقة المزمنة منها، وما نتج عن الحرب الإسرائيلية على غزة.
اليوم، وأمام هذه اللحظة السورية الحرجة، يجب أن تُحسب المواقف بميزان الذهب، والنظر إلى المستقبل بقدر من التفاؤل دون التخلي عن الحذر، بسبب ما مرَّ على المنطقة العربية من تجارب مريرة وصراعات وفتن، ربما ستحاول بعض الأطراف إثارتها مجدداً، ولكنها مشاريع محكوم عليها بالفشل ولن تحقق أهدافها، طالما هناك وعي ويقظة يدفعان باتجاه الاستقرار.
وقد تكون التجربة المنتظرة في سوريا ناجحة، وقد يكون تأمين انتقال سياسي سلمي مدخلاً لحل الكثير من المشكلات والأزمات، ويعيد بناء الأمن الإقليمي على أسس ثابتة لا تتغير بتغير الأنظمة، بل تبنيها إرادة الشعوب وتحفظها القيادات المؤمنة بمناعة الأوطان وصناعة التنمية وإشاعة قيم الخير والتعايش والاعتدال.

شاهد أيضاً