توصلت إدارة ترمب السابقة في النصف الأخير من العام 2020 إلى اتفاق مع عدد من الدول العربية لسلسلة اتفاقات لتطبيع العلاقة بين هذه الدول وإسرائيل وهي الامارات والبحرين والمغرب والسودان، وأصبحت أول اتفاقات تطبيع حقيقية بين العرب وإسرائيل علنية في القرن الحادي والعشرين، وأطلق عليها الأمريكان (اتفاقات أبراهام) لاعتقاد الأمريكان بان جد العرب واليهود واحد وهو سيدنا (إبراهيم عليه السلام) الذي تنسب إليه الديانات السماوية الثلاث. في الثالث عشر من آب 2020 أعلن عن توصل الإمارات وإسرائيل إلى اتفاق بتطبيع العلاقات كاملة تضمنها العديد من الاتفاقات في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والأمنية والطبية والطاقة والتجارة والصناعة والسياحة وخلافه. وفي 11 أيلول 2020 أي بعد شهر أعلن عن اتفاق تطبيع آخر بين إسرائيل والبحرين التي انضمت لاتفاقات أبراهام وتم توقيع الاتفاق في 15 سبتمبر 2020 في البيت الأبيض بحضور الرئيس ترمب ونصت الاتفاقية على تطبيع كامل للعلاقات الدبلوماسية بين الأطراف الموقعة، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع استخدام أراضي أي منهما لاستهداف الآخر. وفي يوم 23 أكتوبر/تشرين الثاني 2020، أعلن البيت الأبيض أن السودان وإسرائيل اتفقتا على تطبيع العلاقات بينهما أيضاً، ودفعت الخرطوم 335 مليون دولار حسب طلب ترمب تعويضاً “لضحايا الإرهاب”. وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت الولايات المتحدة توصل المغرب وإسرائيل لاتفاق تطبيع آخر مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وقبول واشنطن تزويد المغرب بالسلاح وتنفيذ استثمارات ضخمة.
بعد هذا كله، ترك ترمب البيت الأبيض بسبب خسارة الحزب الجمهور في الانتخابات الرئاسية، ولم يكمل اتفاقات أبراهام التي سعت بكل جهدها واشنطن للتوصل لاتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل وما أعاق التوصل لاتفاق هو إصرار العربية السعودية على قبول إسرائيل التفاوض لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين على أساس مبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية في بيروت 2002، ولم تكن إسرائيل مستعدة لذلك في ذلك الوقت. لم تلغ إدارة الرئيس ( جو بايدن) أي من الاتفاقات والتزمت بها مع أنها لم تبذل جهداً إضافياً لاستكمال اتفاق أبراهام، وبالتالي التوصل لاتفاقات جديدة من التطبيع بين دول عربية أخرى وإسرائيل كالسعودية لأنها لم تستخدم عوامل ضغط مركزية على إسرائيل تمكنها من قبول إسرائيل بحل الصراع مع الفلسطينيين. خلال تلك الفترة بذل مستشار الامن القومي الأمريكي (جيك سوليفان) جهداً كبيراً للتوصل لهذا الاتفاق، وزار السعودية أكثر من مرة والتقى الأمير (محمد بن سلمان ) ولي العهد وكان أهم لقاء له في مايو 2023 ، وقد اخبر سوليفان بن سلمان أن الولايات المتحدة تعتقد بأن هناك إمكانية لعقد صفقة بين السعودية وإسرائيل قبل نهاية العام، إلا أن ذلك لم يتم وكان على الأرجح يتوقع التوصل إليه قبل نهاية العام 2023. وتم إرسال كل من ( بريت ماكفورك ) و(عاموس هوكشاتين) إلى إسرائيل لإطلاع نتنياهو على نتائج المباحثات وطلبات السعودية التي تلخصت في اعتراف إسرائيل وانخراطها في عملية تفاوض مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين، وهذا ما لم تكن إسرائيل على استعداد لقبوله، إلا ان المفاوضات استمرت لإنجاز اتفاق تطبيع لكن أحداث السابع من أكتوبر والحرب على غزة أعاقت أي توصل لأي اتفاق جديد يتم بموجبه توسيع اتفاقات أبراهام.
مع وصول ترمب من جديد في يناير 2025 إلى البيت الأبيض بدأ مركزاً على موضوع استكمال اتفاق أبراهام والعمل للتوصل لاتفاق يقضي بانخراط السعودية في هذا الاتفاق ولم يخبئ ترمب هذه الرغبة التي تحدث عنها في أكثر من مناسبة، وعبر عن تفاؤله بأن دولاً عربية جديدة ستنضم للاتفاق دون مسميات وهو يعرف أن استمرار الحرب على غزة وقضية تهجير الفلسطينيين التي تحدث عنها خلال لقائه الأول مع نتنياهو فبراير 2025 سوف تعيق أي اتفاقات جديدة مع أي دول عربية أو حتى إسلامية أفريقية. لذا أعرب في بداية توليه إدارة البيت الأبيض بأنه سوف يعمل على إنهاء الحروب في العالم، واختار السعودية لتكون حظيرة مفاوضات بين أوكرانيا وروسيا حتى يعطي السعودية دوراً ريادياً ودبلوماسياً فريداً في المنطقة العربية كفاتحة لدور أكبر تقبله السعودية للتفاوض على أساس التوصل لاتفاق تطبيع مع إسرائيل. خلال لقاء نتنياهو ترمب 8 إبريل الحالي في البيت الأبيض والذي لم يفلح فيه نتنياهو بإحراز أي تقدم أو إحراز أي نقاط إيجابية لصالح إسرائيل، خاصة في ملفات النووي الإيراني والضرائب والملف التركي السوري وملف غزة. إن ما يعنينا توضيحيه عبر هذا المقال التحليلي هو رغبة دونالد ترمب في إنهاء الحرب على غزة وقيادة مفاوضات منفردة كطرف وليس كوسيط مع حماس بوساطة قطر ومصر لإنجاز اتفاق لإعادة الرهائن الإسرائيليين دفعة واحدة مقابل وقف نهائي لإطلاق النار، وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، رغم حديث وزير جيش الاحتلال عن توسيع المناطق العازلة في القطاع، وسيطرة قوات الاحتلال عليها، وتحويل كامل منطقة رفح إلى منطقة عازلة مع مصر، وهذا لأن ترمب يعتبر ان وقف الحرب على غزة وبحث مسار سلام حقيقي ينهي الصراع هو المدخل الحقيقي لأي اتفاق تطبيع مع العربية السعودية. نهاية مارس آذار 2025 أعلن البيت الأبيض نية الرئيس ترمب زيارة عدد من دول الشرق الأوسط منها الإمارات والسعودية وقطر وبعض دول أخرى وبالطبع فإن هذه الزيارة لن تنجح ولن تحقق هدف ترمب الكبير في المنطقة إلا إذا توقفت الحرب على غزة وتم إعادة ضخ المساعدات الإنسانية والوقود إلى السكان هناك .
الرئيس ترمب يعتبر التوصل لاتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل أهم أنجاز سياسي له خلال فترة إدارته الحالية في ظل الحرب الاقتصادية المستعرة الآن، وهو الإنجاز الذي سيعيد الأمن والاستقرار للمنطقة العربية، ومن شأنه ان يعود بتريليونات الدولارات أيضاً للخزانة الأمريكية على شكل استثمارات وأشياء أخرى، ومن شأنه أن يوسع النفوذ الأمريكي في المنطقة بما يحقق مصالح الأمريكان بسهوله. كل هذا اصبح الآن متوقفاً على وقف الحرب في غزة وقبول المبادرة العربية التي اعتمدت في القمة العربية مارس الماضي لإعادة إعمار القطاع، وهي الخطة البديلة لتهجير الفلسطينيين. وأعتقد أن هذه الخطة قبلت أمريكاً ودولياً لكن يجري البحث عن ترتيبات لإيجاد التمويل المالي الازم بالإضافة لبحث في موضوع اليوم التالي للحرب في غزة، والجهة التي ستتولى إدارة القطاع. الخشية الآن في هذا الملف من أن يتم اختزال ملف حل الصراع كمدخل لتطبيع أمريكي إسرائيلي سعودي بحل ملف الحرب على غزة وتوقفها وبدء تنفيذ خطة إعادة اعمار القطاع وتعافي الضفة الغربية وتوسيع صلاحيات السلطة الفلسطينية الأمنية ضمن خطة لإدماج الفلسطينيين في اتفاق أبراهام كبديل لمفاوضات حل الصراع على أساس حل الدولتين، لكن بالرغم من هذه الخشية فان مخرجات كل من القمة العربية واللقاءات المنفردة من المسؤولين الأمريكان والدوليين والقمة الثلاثية المصرية الفرنسية الأردنية واجتماعات وزراء الخارجية العرب وبيانات اجتماعات مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأفريقي كلها كانت واضحة وتركز على شرط التفاوض على أساس حل الدولتين ومبادرة السلام العربية لإقامة الدولة الفلسطينية من اجل التوصل إلى سلام شامل وعادل في المنطقة العربية يزيل كل آثار التوتر والصراعات التابعة .
القدس المقدسية