السياسي -وكالات
تتجه تونس التي رفع رئيسها المعاد انتخابه قيس سعيّد شعار “التشييد والبناء”، نحو نفض الغبار عن مشاريعها المعلقة. وأعلنت الحكومة التونسية وضع استراتيجية لتنفيذ المشاريع المعلقة التي طالما كانت محل جدل واسع في البلد بسبب مفارقة توافر الاعتمادات المخصصة لها، مقابل عدم تنفيذها.
والأربعاء طالب الرئيس سعيد رئيس حكومته كمال المدوري بالعمل على حل أزمة هذه المشاريع، مشدداً على ضرورة الإسراع بـ”انطلاق عدد من المشاريع الكبرى وتجاوز العقبات الإدارية المفتعلة”، داعياً إلى “ضرورة القطع مع البيروقراطية المقيتة، وتبسيط الإجراءات”.
وكثيراً ما عبر الرئيس التونسي عن استغرابه تعطل العديد من المشاريع رغم توافر الاعتمادات المالية لها، حاثاً على كشف “اللوبيات التي تقف وراء تعطيلها عن قصد” ومحاسبتها، في إشارة إلى وجود أطراف تسعى للحيلولة دون إتمامها.
مئات المشاريع
وفي بلد يعاني أزمة اقتصادية خانقة منذ أكثر من عشر سنوات، يبدو تعطل تنفيذ المشاريع الحكومية، رغم رصد الاعتمادات المالية لها، لافتاً للنظر. ويتسم تنفيذ المشاريع الحكومية الكبرى في تونس في الغالب بالبطء وتجاوز المهل.
وتعود بعض المشاريع المعطلة إلى فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، أي إلى أكثر من 15 سنة.
ويبلغ عدد المشاريع المعلقة في تونس نحو 1126مشروعاً وفق ما كشفه رئيس الحكومة الذي أوضح على هامش مناقشة مشروعي موازنة الدولة والميزان الاقتصادي لسنة 2025، أن “الدولة تعمل على حلحلة مشاريع كبرى معطلة”.
وأكد إجراء جرد كامل للمشاريع المعطلة، مشيراً إلى أن اللجان المحلية والقطاعية نجحت أخيراً في تسوية عدد منها، فيما يتواصل العمل على تسوية البقية.
اعتمادات جاهزة
وقال المحلل المالي الأستاذ في الجامعة التونسية محمد النخيلي إن الاعتمادات المخصصة للمشاريع المعطلة في تونس تقدر بـ17 مليار دينار (5 مليارات دولار)، مشيراً إلى أن نسبة تشغيليتها تقدر بنحو 50 ألف فرصة عمل في السنة.
وأوضح في تصريح إلى “النهار” أن هذه المشاريع تنقسم إلى نوعين: مشاريع استراتيجية وطنية كبرى ومشاريع ذات صبغة محلية، ومعظم تمويلاتها رصدت وصودق عليها في موازنات سابقة، إما عبر قروض من بنوك دولية أو هبات أو اتفاقيات وبرامج دعم.
ورأى أن عدم إنجازها في آجالها تسبب في خسائر كبيرة لتونس وفي ضياع عدد كبير من فرص العمل.
البيوقراطية والفساد
ويجمع التونسيون على أن بلدهم يعاني بيروقراطية قاتلة وانتشار مظاهر الفساد، ما قد يكون من بين أبرز أسباب تأخير إنجاز هذا العدد الكبير من المشاريع.
وكثيراً ما أكد الرئيس سعيد وجود ما يصفها بـ”لوبيات الفساد التي تريد تعطيل عجلة التنمية وتقف أمام قطار الإصلاح الذي أطلقه”.
وزار سعيد في مناسبات مختلفة عدداً من هذه المشاريع وكشف عن ملفات فساد تتعلق ببعضها، إضافة إلى وجود تعقيدات إدارية حالت دون إنجازها.
وعن أسباب تعطل هذه المشاريع رغم رصد الاعتمادات المالية لها، قال النخيلي إنها عديدة تتعلق بدرجة أولى بالبيروقراطية و”نقصد بها هنا المشكلات العقارية والإدارية كتغيير صبغة الأرض التي سينجز عليها المشروع أو وجود خلاف بين وزارتين أو مؤسستين حكوميتين بشأن بعض الإجراءات”، ثم بـ”الفساد والمحسوبية بدرجة ثانية”.
وفي فترة حكم الإسلاميين لم تتمكن تونس من إنجاز الكثير من المشاريع ولم تكن تلك أولوية للمنظومة الحاكمة حينها، إذ غرق البلد في أزمات سياسية متكررة اتسمت بالصراعات بين الأحزاب وانتشار ظاهرة الفساد.
وأكد النخيلي في هذا الإطار أن تعطل بعض المشاريع يتجاوز العقبات الإدارية والتعقيدات المتصلة، فهناك أطراف لم يكن من مصلحتها إتمام هذه المشاريع، سواء بسبب تضرر مصالحها الخاصة أم لارتباطات سياسية، “وهذا لمسناه، خصوصاً في الفترة التي تلت 2011، فعندما يتعطل مشروع استراتيجي بسبب تغيير طرأ في آخر لحظة على بعض تفاصيله، فهذا دليل إلى أن هناك من قام بذلك عمداً”.
وأكد أن بعض الصفقات أسندت وفق مبدأ المحسوبية وفازت بها شركات لم تكن مؤهلة لتنفيذها أو قادرة على إنهاء ما أوكل إليها لأسباب مادية، ما تسبب في تعطيل هذه المشاريع.
ويعتقد النخيلي أن الأمر يتجاوز أحياناً الأسباب الداخلية إلى الأسباب الخارجية، فـ”هناك من ليس من مصلحته أن تنتهض تونس اقتصادياً أو تظهر كنموذج لدولة استطاعت أن تخرج من أزمتها الاقتصادية وأن تفي بالتزاماتها وتسدد ديونها بعيداً عن قرض صندوق النقد الدولي”.
أبرز المشاريع المعطلة
ومن أبرز المشاريع التي تعطل إنجازها منذ سنوات مشروع توليد الطاقة بالرياح، والمشروع المدمج الهيدروميكانيكي لنقل الفوسفات، ومركز تحلية المياه، وخط أنبوب لنقل الكهرباء بين تونس وإيطاليا بطول 240 كلم، ومشروع الطاقات المتجددة في الجنوب، ومشروع الطريق بين قابس ورأس الجدير المعبر الحدودي مع ليبيا، وكذلك العديد من المشاريع الجهوية، ومن بينها مشروع الميناء في النفيضة (وسط) الذي كان يتوقع أن يوفر نحو 50 ألف وظيفة، ومشروع “التليفيريك” في محافظة زغوان (شمال)، ومشروع تهيئة ملعب المنزه الأولمبي في قلب العاصمة التونسية المتوقف منذ أشهر، ومشروع مستشفى الملك سلمان في محافظة القيروان (وسط) وهو مشروع من تمويل المملكة العربية السعودية، وكان قد تم الاتفاق عليه قبل نحو 8 سنوات ولم تنطلق أشغاله بعد.