لم تقتصر تداعيات يوم السابع من أكتوبر على قطاع غزة وحسب، بل وصلت لعنتها إلى كل مكان يتواجد فيه الفلسطينيين، لعل أبرزها مدينة القدس التي تعاني أصلا من تضييقات الاحتلال الإسرائيلي منذ زمن بعيد، لكن الطوفان زاد من معاناة المدينة المقدسة وسكانها، وخصوصا بعد حصار اقتصادي خانق، امتد تأثيره ليشمل جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسية بالبلدة، حتى أصبح اقتصادها واضحا بأنه يسير بخط بياني هابط نحول الأفول.
فلا يخفى على أحد حقيقة أن الحرب في غزة تسببت في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في القدس، ما تسبب في ركود اقتصادي وإفلاس العديد من المنشآت التجارية والصناعية، وإغلاق مئات المحلات التجارية، فيما أصبحت تكاليف المعيشة المرتفعة تُثقل كاهل السكان المقدسيين، الأمر الذي دفع بالعديد منهم إلى الهجرة أو يعيشون تحت خط الفقر، فيما تراجعت قدرات التجار المقدسيين على مواجهة الأعباء الاقتصادية، ما أدى إلى خلل عميق في الدورة الاقتصادية للمدينة.
والحقيقة التي لا تغطى بغربال، هي أن 80% من الأسر الفلسطينية في القدس باتت تعاني من الفقر وتجد صعوبة في تغطية نفقاتها، بينما هناك تراجعا في الإنتاجية وتضررا في القطاعات الصناعية والبناء والسياحة، التي تعد عصب الحياة الاقتصادي للقدس، بسبب القيود الإسرائيلية.
ولعل انخفاض حركة السياح بالمدينة المقدسة، كان واضحا جدا للجميع، مما تسبب بخسائر كبيرة في قطاع الفنادق وتسريح العمالة، وهو ما لم يحدث من قبل، الأمر الذي كانت وستكون له تداعيات قاسية على الفلسطينيين بالقدس، فالأمر ليس بالسهولة المعتادة، إنما نحن نتحدث عن قوت شعب كامل كان يعيش حياته البسيطة رغم تنغيصات الاحتلال هناك.
ومن الطبيعي أن تتأثر جميع القطاعات الاقتصادية الفاعلة بالمدينة المقدسة، فالسياحة مثلا عانت من تراجع حاد في حركة السياح، فقد الغيت حجوزات وارتفعت نسبة الإشغال إلى 20%، لتصل خسائر هذا القطاع فقط الى 750 مليون دولار، فيما تضرر قطاع الصناعة فلم تعد المواد الخام تصل بسهولة من الضفة الغربية، كما تضرر قطاع البناء، بعد منع حركة العمال الفلسطينيين القادمين من الضفة، وليس آخرا بقطاع التجارة، الذي يعاني من الركود بسبب القيود والضرائب والمخالفات التعسفية، مما أدى إلى إغلاق العديد من المحلات التجارية، خاصة في البلدة القديمة.
ومن الغريب أن يندهش أحدا من هذه الحقائق الاقتصادية الصادمة التي يعيشها أهل القدس، لكنهم نسوا أو تناسوا أن أهم العوامل التي تسببت بذلك هي القيود التي فرضتها إسرائيل بعد كارثة السابع من أكتوبر، على الحركة الاقتصادية والتجارية، والإجراءات الأمنية المشددة، والحواجز، التي ساهمت بشكل كبير في تدهور الوضع الاقتصادي.
صحيح أن المجتمعات تتحول ببطء شديد، لكن أخشى ما أخشاه أننا سنكون أمام انفجارات داخلية في القدس مثلما حدث في غزة وسيحدث في الضفة الغربية بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة الناتجة عن إجراءات إسرائيل بعد كارثة الطوفان بغزة، ولكن المعروف أن هذا يحدث للدول والمجتمعات عندما تفقد التوازن.
أن يصبح الوضع الاقتصادي في قمة الصعوبة وذروة الخوف والتوتر، في مدينة القدس، أحد أهم وأكبر المدن الفلسطينية مساحة وسكانا وأكثرها أهمية دينيا وسياسيا واقتصاديا، يعني إسدال الستار على القضية الفلسطينية للأبد.. للأسف أن الفلسطينيين بمغامراتهم وبسوء إدارتهم مهدوا لهذا الانهيار وفقدان المناعة الوطنية!!






