الفيديو الذي بلغت مدته دقيقة ونصف الدقيقة، ونقلته محطات التلفزيون الإسرائيلية مباشرة على الهواء، سيدخل التاريخ العربي والعالمي فعلاً:
لم يكن واضحاً نوع الهاتف الخليوي ولا التطبيق الذي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستخدمه عندما إتصل برئيس اقليم “أرض الصومال”عبد الرحمن محمد عبداللهي، ويعرض له لحظة توقيعه على قرار دولة اسرائيل الاعتراف ب”جمهوريته” المعلنة من جانب واحد منذ أن انهارت الدولة الواحدة في الصومالية، قبل نحو أربعين عاماً، ويدعوه لزيارة تل ابيب خلال الأيام المقبلة، ووعده بأن يكلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب في شأن انضمام الدولة العربية الوليدة، وهي الثالثة والعشرين، الى اتفاقات ابراهام..
الفكاهة حكمت رد الفعل الأول على الفيديو، على الرغم من أن نتنياهو لم يكن يمزح، وكذلك مساعده الذي حمل الهاتف ووجه شاشته نحو ورقة التوقيع الرسمي على وثيقة الاعتراف، لكي يطمئن قلب “الرئيس العربي” عبد اللهي، الى جدية دولة إسرائيل في رعاية التقسيم الرسمي لدولة عربية جديدة، ولكي تصل تلك الجدية الى كل قطر عربي يترقب ان ينال أحد أقاليمه الاعتراف الإسرائيلي بالاستقلال، وبالانضمام الى اتفاقات ابراهام.
مع دولة “أرض الصومال” لم يكن المشهد يخلو من طرافة، ربما تقصدها نتنياهو الذي لم يجد مبرراً كافياً لكي يطل على شاشات التلفزيون مباشرة موجهاً خطاباً رسمياً الى الشعب الإسرائيلي يعلن فيه عن هذا الإنجاز الدبلوماسي التاريخي ويوجه الشكر الى كل من ساهم به من مسؤولين إسرائيليين وعرب وأجانب.. ولكي يبلغ تحديداً مواطني قطاع غزة الفلسطينيين المنكوبين أن ساعة تهجيرهم الى “أرض الصومال” الموعودة قد أزفت، حسب الخطة الموضوعة منذ بدء حرب طوفان الأقصى قبل عامين ونيف.
بدا الفيديو وكأنه ينقل محادثة تلفونية داخلية بين نتيناهو وأحد معاونيه، او موظفيه الإسرائيليين أو الصوماليين، الذي طال خروجهم من الصف العربي وطال انتظارهم لتلك اللحظة، لحظة المكافأة الإسرائيلية لتلك الأرض العربية الفارغة، وتحويلها الى قاعدة عسكرية جوية وبحرية وبرية للجيش الإسرائيلي في منطقة القرن الافريقي ذات الأهمية الاستراتيجية لمختلف دول العالم، عدا الدول العربية المتاخمة لها او تلك البعيدة عنها، والتي تلقت الاعتراف الإسرائيلي الرسمي بانفصال أحد أقاليمها، وتحوله الى دولة افريقية ( هي الخامسة والخمسين).
لا يعبر القرار الإسرائيلي عن فظاظة او استفزاز من نتنياهو، بل عن استهانة جديدة بالعرب جميعاً، من دون استثناء أبداً، سواء الذين ساروا في ركب اتفاقات ابراهام او الذين ينتظرون فرصتهم الذهبية، حتى ولو لم تكن على شكل اتصال عبر تطبيق واتسآب على الأرجح، بل كانت تليق أكثر بمكانة بلدانهم، التي يبدو ان نتنياهو سيأخذها واحدة تلو الأخرى، موحدة او ربما مقسمة الى دويلات ترفع راية العصر الإسرائيلي الجديد.
هذا هو الدرس الذي أراد نتنياهو ان يلقنه للجميع من دون استثناء. والدول المرشحة لاتصال هاتفي منه كثيرة العدد، والاقاليم او المحافظات التي تنتظر، فعددها أكبر بلا شك. ولا تقتصر تلك اللائحة فقط على بلدان ما زالت موحدة نظرياً مثل سوريا أو اليمن أو العراق، أو أي بلد ينحدرعن وحدته الوطنية، وأطلق العنان لأقلياته التي تستعيد هذه الايام أسوأ كوابيسها التاريخية. دول الخليج العربي الست لن تكون بمنأى عن هذا التهديد الإسرائيلي أبداً.
أما لبنان فأنه الآن حقل التجارب الأبرز، والأصعب سيما وان وحدته الوطنية مصونة أكثر من أي وقت مضى من حروبه الاهلية التي باتت منسية الى حد بعيد من غالبية لبنانية ساحقة تستطيع ان تستوعب الفيدراليين الجدد، وترسلهم الى جمهورية “أرض الصومال” المستقلة.
بيروت في 27 / 12 / 2025





