السياسي – في مقابلة خصّا بها صحيفة “لوموند” الفرنسية، اعتبر اثنان من جنود الاحتياط الإسرائيليين الشباب، قررا التوقف عن الخدمة في وحدتهما، أن ما يحصل في غزة “ليس حرباً وجودية، بل هو انتقامٌ خالص”.
الأول، يدعى ماكس فريش، وهو يهودي أمريكي ملحد، ولكن من عائلة متدينة، انتقل إلى إسرائيل في عام 2014 وهو في سن 18 عاما. والثاني مايكل عوفر زيف، ولد في عائلة يسارية ملتزمة بحل الدولتين. واستجاب الاثنان بنفس الروح لنداء الجيش الإسرائيلي الذي حشد أكثر من 300 ألف جندي احتياط في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر.
لكن الجنديين نأيا تدريجيا بنفسيْهما عن أوامر الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، كما توضّح “لوموند”، مشيرة إلى أنّهما من بين 130 من جنود الاحتياط الذين وقّعوا على رسالة نُشرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول، يرفضون فيها الخدمة حتى يتوصل مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يسمح بإطلاق سراح الإسرائيليين في غزة.
في يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عندما خلّف القصف الانتقامي على غزة مئات الضحايا، معظمهم من المدنيين، كتب أحد الجنديين الاحتياطيين السابقين، ماكس فريش، على صفحته في فيسبوك: “الآن حان الوقت لاحتضان أصدقائنا العرب والفلسطينيين”. وقد انتشرت هذه الرسالة على الفور في وحدته، ليتحول هذا الأخير إلى منبوذ، كما يروي لـ“لوموند”، مضيفا: “قيل لي إن قتل الأطفال واجب ديني، لأنهم عندما يكبرون سيصبحون إرهابيين. هذه الحالة الذهنية تحدد كل ما يحدث اليوم. وهذا غير مقبول”.
ويتابع ماكس فريش التوضيح لـ“لوموند” أنه أراد دائما، خلال عشر سنوات من العيش في إسرائيل، خدمة بلاده بطريقة مثالية، ولأنه يشعر أن حكومته لا تفي بواجباتها، فقد قرر عدم الاستجابة لأوامر التعبئة. مضيفا: “لقد فهمت أنها لم تكن حرباً وجودية، بل كانت انتقاما خالصا”.
ويتابع القول: “العقد الاجتماعي الذي يربطني بهذا البلد هو أنني أقاتل من أجله، وفي المقابل يفعل كل شيء لإعادة الاسرى. لقد تم كسر هذا العقد الاجتماعي. أقوم بدوري، لكن الحكومة لا تقوم بدورها”، يوضح الجندي الذي أبلغ قائده أنه في هذا السياق، لن يخدم بعد الآن تحت العلم الإسرائيلي. وعندما تم استدعاؤه في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، بعد تصفية حسن نصر الله، زعيم حزب الله، قال لا، وقرر مغادرة مجموعة الواتساب الخاصة بوحدته.
أما زميله مايكل عوفر زيف، فقد خدم في غرفة القيادة كضابط “مراقبة” وكان دوره يتمثل في متابعة تحركات القوات في غزة على شاشات تفاعلية، وخاصة لتجنب إطلاق النار بين الجنود الإسرائيلين. وكان يظل محبوسا لساعات طويلة في غرفة، محروماً من هاتفه، مفضلا تجنب التواصل مع زملائه، لكونه يساريا، وانغمس في التفكير بتدمير غزة، كما يروي للصحيفة الفرنسية.
ويضيف: “رأيت المباني تنفجر الواحد تلو الآخر.. كان الأمر بالأبيض والأسود، ولم يكن هناك صوت، وبدا غير واقعي تقريبا. اعتقدت أن هناك بعض المعلومات الاستخبارية القوية وراء ذلك. لكن شيئا فشيئا، ومن خلال مشاهدتي للقنوات التلفزيونية الأجنبية وشبكات التواصل الاجتماعي بعد خروجي من غرفة المراقبة، فهمت عواقب هذه الضربات”.
بالنسبة لجندي الاحتياط الشاب هذا، جاءت نقطة التحول في ديسمبر/ كانون الأول 2023، عندما قُتل ثلاثة أسرى إسرائيليين فرّوا من خاطفيهم، برصاص قناص إسرائيلي، عندما اقتربوا من الجنود، عراة القمصان، وأيديهم مرفوعة في الهواء لإظهار أنهم غير مسلحين. حتى أن أحدهم لوح بقطعة قماش بيضاء.
وتحدث هذا الأخير عن “فساد أخلاقي”، قائلاً إنه تبادرت إلى ذهنه فكرتان: الأولى، أنه كان لا بد من حدوث ذلك، نظراً للطريقة التي أدرنا بها القتال في غزة. ولم ير ميخائيل عوفر زيف وثيقة متداولة بشأن قواعد الاشتباك، والتي كان ينبغي له نظرا لمنصبه، الوصول إليها.
ويتابع القول: “في أذهان الكثير من الناس بعد 7 أكتوبر، لم يعد الفلسطينيون مجرد بشر. ويعتقد أن هذا المناخ لا يشجع الضباط على معاقبة جنودهم، خاصة عندما يقومون بنهب أو تخريب الممتلكات الفلسطينية. النظام الذي كان من المفترض أن يعاقب أولئك الذين يرتكبون الأخطاء لم يعد يستجيب”.
وبعد ثلاثة أشهر في الاحتياط، وعلى غرار زميله ماكس فريش، أبلغ مايكل عوفر زيف قائده بأنه لن يعود إلى وحدته. ووقّع على خطاب رفض الخدمة في أبريل/ نيسان. ويوضح لـ“لوموند”: “كنا 42 شخصا، والآن أصبحنا 130، ورفض الخدمة هو أحد أكبر المحظورات في إسرائيل. أخشى أن ينظر الناس إلينا جميعا كوحوش متعطشة للدماء. هذا هو الحال بالنسبة للبعض. ولكن ليس بالنسبة لكثير من الإسرائيليين”.
عندما يريد أن يكون إيجابيا، يتذكر مايكل عوفر زيف أن حرب 1973 أدت إلى السلام مع مصر، وهذا أحد أفضل الأشياء التي حدثت بالنسبة له. ولكن بعد ذلك مباشرة، أدرك أن إسرائيل تغيرت منذ ذلك الوقت. ثم يتغلب عليه اليأس ويقول لنفسه إنه يجب أن يحزم حقائبه. كما أن زميله ماكس فريش يمر بالحالة الذهنية نفسها، فهو يفكر أيضا في مغادرة بلاده، مع خطر التخلي عنها للأصوات الأكثر تطرفا.