جورجيو أرماني.. رحلة أسطورة صنعت الأناقة وغيّرت قواعد الموضة

السياسي – د ب أ

عن عُمر 91 عاماً، أُسدل الستار، على حياة أسطورة الموضة الإيطالية جورجيو أرماني أو “الملك جورجيو”، بعد تاريخ حافل من الإنجازات وشهرة واسعة، تاركاً خلفه إرثاً خالداً من الإبداع غيّر موازين الأناقة عالمياً.

قلةً من الأسماء تحظى بالتأثير في عالم الموضة، وبين هؤلاء يبرز اسم “أرماني” بأفكاره الإبداعية وتصاميمه الراقية، التي أعادت تعريف الموضة، وأحدثت ثورة في أزياء الرجال مُنذ منتصف سبعينات القرن الماضي، محرراً الرجال من صرامة “البدلات التقليدية” بتقديم إطلالات مريحة  قوية وعصرية.

وسرعان ما نقل جورجيو، الأناقة نفسها إلى أزياء النساء، مانحاً إياهن تصاميم واثقة ورصينة كسرت الحدود التقليدية بين ملابس الجنسين، وغيرت من المفاهيم السائدة مُجتمعياً حول الموضة.

من يكون “الملك جورجيو”؟

في الحادي عشر من يوليو (تموز) عام 1934، وُلد أرماني في مدينة بياتشينزا بإيطاليا في منطقة إميليا رومانيا بالقرب من ميلانو، لأب يعمل محاسباً وأم ربة منزل، حيث عاش رفقة شقيقه الأكبر سيرجيو وأخته روزانا.

في عام 1956، بدأ جورجيو دراسة الطب، لكنه ترك الدراسة بعد ثلاث سنوات وانضم إلى الجيش. وبعد عودته من الجيش مباشرة، بدأ مسيرته المهنية في عالم الموضة، حينما عمل كمراقب نافذة الملابس في متجر “ريناسنت” في ميلانو عام 1957.

وبعد 7 سنوات من العمل الجاد في متجر متعدد الأقسام، تعرف أرماني على مصمم الأزياء نينو سيروتي، في عام 1961، حيث ساعده في عرض نماذج لبعض تصاميمه للبيع تحت العلامة التجارية “هيتمان”.

غير أن عام 1975 يُعتبر بمثابة الانطلاقة الأولى لأرماني، بعدما أسس علامته التجارية الخاصة، ليستطيع في غضون سنوات قليلة حفر اسمه كواحد من أهم مصممي الأزياء في العالم.

محبوب مشاهير هوليوود

لُقب أرماني بـ “ملك السجادة الحمراء”، إذ أصبح المُصمم المفضل لدى نجوم هوليوود، بدءاً من ريتشارد غير، الذي اختاره لتصميم ملابسه عام 1980 في فيلم “American Gigolo” وصولًا إلى عشرات النجوم الآخرين، حيث اعتلت إبداعاته أكثر المسارح بريقاً، مثبتاً مكانته كصانع للذوق العام والثقافة العالمية.

ذاع صيته في أمريكا الشمالية، خاصة في الولايات المتحدة، التي اتجه لتصدير منتجاته وتصاميمه إليها منذ عام 1979، ما شجع العديد من نجوم السينما في هوليوود مثل “جودي فوستر” على ارتداء الأزياء الرائعة في حفلات توزيع جوائز الأوسكار، وتصدره أغلفة المجلات والصحف الأمريكية والإيطالية والبريطانية بما في ذلك مجلة “التايمز”.

في غضون عقد من الزمن، أصبح أرماني المصمم الأوروبي الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة، ونتيجةً لذلك، برزت ميلانو كقوة تجارية وإبداعية فعّالة في عالم الموضة، بعد باريس.

نمط حياة متكامل يحمل اسم أرماني

مع هذه الشهرة، سعى جورجيو لتوسيع علامته التجارية، حيث أطلق كلاً من “أرماني جينز” و”إمبوريو أرماني”، وأبرم اتفاقية مع “لوريال” أضافت العطور إلى مجموعته، ثم واصل تقديم النظارات والملابس الرياضية ومستحضرات التجميل والإكسسوارات، وهكذا، أصبح هناك نمط حياة متكامل – تحت علامة تجارية واحدة – يطمح إليه كل من يعشق الأناقة.

في عام 1985، توفي صديقه وشريكه سيرغيو جاليوتي بسبب مرض مرتبط بالإيدز عن عمر يناهز 40 عاماً، وقد أثرت الوفاة في أرماني للدرجة التي جعلته يفكر في التقاعد إلا أن المثابرة دفعته لاستكمال الطريق الذي بدأه.

العمل هو العائلة وفقط !

لم يكن لدى أرماني أي عائلة، حيث كرّس حياته لتوسيع إمبراطوريته مقاوماً الاستثمار الخارجي أو محاولات شركات أخرى شراء علامته، بل بنى الشركة لتصبح شركة عالمية ضخمة كما هي اليوم، واحتفظ بالسيطرة على شؤونها المالية وإبداعها، ليتحول بذلك إلى ملياردير عالمي.

وباعتباره من عشاق الرياضة، صمم أيضاً بدلات لفريق تشيلسي ومنتخب إنجلترا لكرة القدم، وصنع الزي الرسمي لفريق إيطاليا الأوليمبي في عام 2012.

ومع دخوله عقده العاشر، واصل أرماني تقديم مجموعات جديدة على منصات العرض في باريس وميلانو كان آخرها في مارس (آذار) الماضي، حيث وصفته مجلة نيويورك بأنه “منضبط بشكل ملحوظ”.

ظلت أساليب أرماني طوال حياته المهنية مواكبة للتغيرات التي يشهدها المجتمع، وقد جاء الإحساس الحاد بالتوجيه الاجتماعي من تجربة أرماني المبكرة على أرضية المتجر في ميلانو.

في عام 2017 أنشا أرماني، مؤسسة جورجيو أرماني للترويج للمشاريع ذات الاهتمام الاجتماعي، وخلال مسيرته المهنية حصل على العديد من الجوائز والألقاب الوطنية والدولية مثل: “وسام الصليب الأعظم لوسام الاستحقاق للجمهورية الإيطالية”، و”وسام جوقة الشرف الفرنسي”، و”جائزة أفضل مصمم عالمي”، و”جائزة الإنجاز مدى الحياة للأزياء الرجالية والفن والأزياء”.

هذا بجانب درجات فخرية من مؤسسات تعليمية مرموقة، مثل: “درجة الدكتوراه من الكلية الملكية للفنون في لندن”، و”أكاديمية بريرا للفنون الجميلة في ميلانو”.

مهووس بالبحث عن الكمال

لمدة 65 عاماً، كرّس أرماني نفسه لهذه المهمة، وحقق لها ثروةً قدرها فوربس بـ 13 مليار دولار (10 مليارات جنيه إسترليني)، لكنه ظل حتى آخر أنفاسه “لا يشعر بالرضا أبداً”.

لتبقى  آخر كلماته خالدة مُعبرة عن شخص أحب العمل والحياة معاً: “أنا شخص غير راضٍ دائماً ومهووس بالبحث عن الكمال، لا أستسلم أبداً حتى أحقق النتائج التي أريدها”.