الموت جوعًا، خاصة في صفوف الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية ومن نقص الدواء والغذاء، وصمة عار على جبين العالم الذي يشهد هذا الموت البشع، وهذا القتل العمد، بفعل استمرار الحصار الظالم، واستمرار حرب الإبادة والتطهير العرقي، فلا يتداعى لتنفيذ القوانين الدولية المنصوص عليها في كل المحافل الأممية، ويفرض وقفًا لهذه المقتلة، ويرفع قيود الحصار لتدخل المساعدات، بل نراه يتضامن مع الضحية بصوت خافت، لا يكاد يُسمع، ولا يتحرك جديًا لإنقاذ الناس في غزة من الموت الذي بات يتهددهم بالفناء.
مات طفلٌ آخر بعدما عجز جسده عن احتمال الجوع. مات في حضن والدته التي بكت موته، وبكت عجزها عن إطعامه، وبكت ضعفها وهشاشة جسدها المنهك، ولعنت الإنسانية التي استحقت اللعنة لأنها تشاهد بصمت، وتراقب بصمت، وتتداعى للخطابة والشعارات ببطون متخمة وضمائر لم تهتز لكل مشاهد الموت وصور الخراب. وفي الصورة الواضحة عبر الفضائيات، سقطت سيدةٌ مُضرَّجة بجوعها وعطشها أرضًا أمام عين الكاميرا، بينما كان المراسل يخرج على الهواء في بث حيّ يصف واقع الحال، ومصائر الموت الذي يتهدد حياة الناس، ممن بقوا على قيد الحياة.
إن الاحتلال الذي يصرّ على اتباع سياسة التجويع حد الموت، بحق الأطفال والشيوخ والنساء، لتتحقق الإبادةِ بكل أركانها وأبعادها، لا يزال يواصل فرض حصاره المحكم من كل الجهات، ويمنع دخول الدواء والغذاء، وهو يتفاخر بأنه يرتكب أبشع المجازر ويقتل الناس قصفًا وجوعًا.، فما تشهده البشرية اليوم من مذابح جماعية، لم تعرف لها مثيلًا في بشاعتها، ولا في هذا الصمت المريب الذي يحيط بها، فهي غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، وهي مستمرة ومتواصلة منذ 654 يومًا.
إن الموت الذي يواصل زحفه، دون رحمة على الناس في غزة، بينما يقف العالم متفرجًا، يراقب مشهد الفناء بصمت مريب، وكأن الضمائر قد ماتت، والإنسانية قد تآكلت في زوايا الخوف والمصالح والحسابات الباردة.
إن استمرار هذا الصمت العالمي ليس مجرد تواطؤ، بل مشاركة فعلية في الجريمة، وتوقيع مباشر على الإعدام الجماعي، والفناء الذي يتهدد أهل عزة، وإن لم ينهض الضمير الإنساني الآن، فمتى ينهض من سباته؟ ومتى يصحو ويوقف الجرائم والمذابح والإبادة؟