انه صراع “الحاخامات” والجنرالات في “اسرائيل”. لا فارق بين الآتين من كهوف العصر الحجري، والآتين من أوكار الضباع. الفريقان بايديولوجيا الكراهية والاجتثاث، ينظران الى العرب كخناجر في خاصرة “يهوه”.
لا مجال سوى بازالتهم من الوجود، دون امتلاك الحد الأدنى من الحس الأخلاقي، بعد تلك السلسلة الطويلة من الفظاعات التي ترتكب في الميدان، والتي كان آخرها استعمال الأسرى كدروع لحماية الجنود من نيران الفلسطينيين، وفي انتهاك مروع للمواثيق الدولية، كما للقوانين التي تحكم العلاقات بين الكائنات البشرية، حتى إن ايتامار بن غفير دعا الى اعدام الأسرى. هل رف جفن في العالم الغربي أو في العالم العربي؟
لا حدود للهمجية. حتى الفايكنغ، وحتى التتار الخارجون للتو من قاع الحضارات، لم يفعلوا ذلك. الشيطان لا يمكن أن يصل بخياله الى هذا المستوى من اغتصاب الحياة، ومن التنكيل بالحياة.
لا نقول بمنطقية الانقلابات العسكرية، وقد عشنا كل ويلاتها. لطالما وعدتنا (في البلاغ رقم 1 ) بتفكيك العفن الذي في أعالي السلطة، لنكتشف أنها الأكثر وبالاً علينا. بدل التوتاليتارية القبلية التوتاليتارية العسكرية. ولكن هكذا جرت العادة، العسكريون من يقومون بالانقلابات لا المدنيون. في “اسرائيل”، وهي الظاهرة المضادة لمنطق الأشياء ولطبيعة الاشياء، “الحاخامات” من يأكلون الجنرالات. هم يعتبرون، والأكثرية وراءهم، حتى ولو كانوا في أكثر المراكز التكنولوجية حساسية، أن صلواتهم وأدعيتهم هي التي تحمل اليهود الى النصر. النصر هنا يعني ” محق العرب” عن بكرة أبيهم.
وصفوا ناطحات السحاب التي ترتفع في المدن العربية، بالخيم المصنوعة من الاسمنت والزجاج لاقامة الابل والماعز، كما وصفوا خريجي الجامعات، ولو كانت أرقى جامعات العالم، بـ”أولئك الذين يتلقفون العصر بأحذيتهم لا برؤوسهم”. ولا مرة نظروا الينا، وبالحمولة التلمودية اياها، ككائنات بشرية.
لكنه “جنون العظمة” لدى الجنرالات. هؤلاء الذين يعتبرون أنه لولا بزاتهم المرقطة لما قامت “اسرائيل” ولما بقيت. لهذا نرى ذلك العدد الهائل من الجنرالات الذين انتقلوا من الثكنات الى رئاسة الحكومة، أو الى المواقع الوزارية والنيابية، اضافة الى ادارة مؤسسات حساسة. آرييل شارون قال لأوريانا فالاتشي صيف 1982: “جنرالاتنا (الجبابرة) يعلمون أن أي خطوة الى الوراء على الأرض تعني بداية الانحدار”.
ولكن ألم يتمكن اللبنانيون، والآن الفلسطينييون، من تحطيم النجوم التي على أكتافهم. ايهود باراك، الجنرال الذي يحمل على صدره أكبر كمية من الأوسمة، هو من أمر بالخروج من لبنان عام 2000 “لأنني لن أترك جنودنا في تلك المقبرة”. أثناء الاجتياح، وعند مثلث خلدة، سقط يكوئتيل آدم، نائب رئيس الأركان وهو داخل دبابة. آنذاك كتبت “معاريف” أذا كانت هذه هي البداية، كيف يمكن أن تكون النهاية؟
أزمة “حاخامات” مثلما هي أزمة جنرالات. ولكن، على طريقة الأسطورة التركية، الذئاب تأكل الذئاب، لتكتب “هاآرتس” عن أزمة دولة. الفجوة باتت هائلة بين الثلاثي بنيامين نتنياهو وايتامار بن غفير وبسلئيل سموتريتش، ويوآف غالانت الذي يجد نفسه وحيداً (باعتبار أن هرتسي هاليفي رجل نتنياهو)، وان كان الأميركيون قد أبلغوه بـ “أننا نقف الى جانبك في انقاذ اسرائيل”.
الكلام وصل، ربما عن عمد، الى رئيس الحكومة الذي ينظر اليه بعين حمراء. لكن هذا الأخير بات محاصراً من المؤسسة السياسية والمؤسسة الأمنية، وحتى المؤسسة القضائية. ليستنتج صحافيو اليمين أن التظاهرت الضخمة التي تجري ضد الحكومة، تدار من قبل السفارة الأميركية.
كعرب، في بلداننا السفارات الأميركية تمسك بالكثير من مفاصل السلطة، اضافة الى احتوائها قوى سياسية وعسكرية. ولكن في “اسرائيل” أيضاً؟ الحديث عن أن القبضة الأميركية تطبق أكثر فأكثر على الائتلاف اليميني. جدعون ليفي لاحظ أن “نتنياهو يختنق”…
حين تكون واشنطن ضد نتنياهو فهذا لمصلحة “اسرائيل”، لا لمصلحة الفلسطينيين الذين لا خيار ولا طريق أمامهم سوى المقاومة. وحتى حين تطبق بقبضتها على القادة العرب، فهذا لمصلحة “اسرائيل” ايضاً.
هذه هي المعادلة الأميركية في الشرق الأوسط. العرب اما جثث في الطريق الى العالم الآخر، أو جثث ـ مع وقف التنفيذ ـ وقد استقرت في الثلاجة الأميركية…