حادثة النصيرات واستمرار “السبهللة”

محمد مشارقة

يختلط الخيال بالكسل المعرفي والذهني في تحليل الاحداث الكبرى في الحرب على غزة، ببطولاتها واخفاقاتها. فحمولة القصص والروايات التي تتناول حادث النصيرات واستعادة أربعة أسرى إسرائيليين من قبضة المقاومين، تتراكم وتتطور كل ساعة وكل يوم مثل كرة الثلج، رغم انه لم يمض عليها أكثر من 48 ساعة، وليس استعادة لأحداث تاريخ قديم.
بافتراض حسن النوايا وحاجة المخيال الشعبي الى الخوارق والبطولات، فقد ساهم التراجع الذي لحق بأسس ومبادئ مهنة الصحافة والاعلام في إطلاق العنان لكل هذا الخراب والذي لا ننفرد به، بل تورطت به قلاع صحفية غربية عريقة تدعي المهنية والحيادية في نقل الخبر. فقد ساد خلط الخبر المجرد بالتحليل وبالدعاية والاحالات الى مصادر غير مدققة بغرض خدمة فكرة، او دعاية سياسية، او الفكرية، او للتعبئة المعنوية.
اخر ما وصلنا عن عملية النصيرات خير دليل. حيث يجري ترداد ان العملية التي راح ضحيتها نحو 400 بين قتيل وجريح من المدنيين كانت بمشاركة عملياتية واستخبارية من حلف الأطلسي وبشكل مباشر من الفرنسيين والإنجليز والامريكيين، ويحشر او يستدعى قصة الميناء العائم قبالة غزة ليكون راس جسر لغزو النصيرات وتحرير الاسرى الإسرائيليين.
هكذا يختلط الحابل بالنابل على يد الاعلام الأيديولوجي والشعبوي من الجانبين كل لخدمة أهدافه الخاصة تبريرا او تأكيدا للرواية. دون النظر الى ان ثورة المعلومات التقنية لم يعد معها إمكانية للتضليل او الكذب. والمبالغة في وصف قدرات عدونا وحلفائه الاطلسيين يمكن ان تفضي الى نتائج عكسية والى إشاعة أجواء من الياس باستحالة المقاومة والصمود امام جبروت عدو مدجج بالتكنلوجيا والسلاح، وقد تشكل دعوة غير مقصودة للاستسلام.
والسؤال، لماذا لا نسرد الحقيقة كما هي ونفكك تعقيدات الواقع الميداني كما هو، دون حمولات ساذجة وبلهاء. وفي هذا السياق ثمة حقائق واقعية متداولة وليست اسرارا امنية او عسكرية عظمى:
– ان عدونا يملك ترسانة معلومات استخبارية، وصور كل مولود وحامل بطاقة هوية فلسطينية وأماكن سكناهم ونوعية وتاريخ عائلاتهم وامتدادها منذ احتلاله للضفة وغزة والقدس عام 67، وفي عصر الذكاء الصناعي، تمكن عدونا من تحديد أهدافه محملة على المسيرات، وسمح لها العقل العنصري الفاشي، بنسبة خطأ كبيرة لم تمر في تاريخ الحروب، فمقابل كل هدف مشتبه به، يمكن ان يقتل عشرون او ثلاثون وتدمر احياء بكاملها.
– سأفترض أيضا ان عدونا لم يعد بحاجة الى الاف العملاء والجواسيس، كما كانت الحاجة إليهم لتامين السيطرة والتحكم الاستعماري قبل عشرين عاما خلت. إذ ليس سرا ان شبكتي الهاتف المحمل في الأراضي المحتلة ” جوال والوطنية ” كل خوادمها تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وبالتالي كل تلك الهواتف والاصوات كهوية وبصمة شخصية هي تحت تصرفه ولخدمة أغراضه في القتل والاغتيال، تفرز وتصنف اليا وتنقل في ثوان لغرفة العمليات الميدانية.
– ليس سرا غير معلن، ان القاعدة العسكرية البريطانية في قبرص، كانت منذ الحرب الباردة الى يومنا هذا، تقوم بدور مراقبة كل اتصالات الشرق الأوسط، وظهر دورها في حرب غزة في تامين المعلومات للجانب الإسرائيلي عن كل موجة بث من غزة سواء كانت على الشبكات التقليدية ام عبر الأقمار الصناعية او من أي جهاز ذكي حتى وهو مغلق، وهو امر تناولته الصحافة البريطانية والغربية على الدوام.
الخلاصة: ان حادثة النصيرات وغيرها من عمليات الاغتيال والتدمير، تستدعي المراجعة والمزيد من الحيطة الحذر، فالمقاومة التي سجلت انتصارا تقنيا في السابع من أكتوبر، لن تمحى اثارة بسهولة على عدو بنى اسطورته كدولة متقدمة تقنيا، هذه المقاومة، قادرة اليوم على إيجاد الحلول للحفاظ على حياة الشعب والمقاومين بدل استمرار” السبهللة” و”التواكلية” والاستهتار والدعاية الفارغة من المضمون، فالتقنية وتفوقها عند عدونا ليست قدرا امام شعب مصمم على المقاومة حتى تتحقق حريته واستقلاله.

شاهد أيضاً