حاكمية البنا.. جسرٌ إلى العنف

حسين القاضي

تمثل فكرة الحاكمية الجذر الذى أنتج حركات العنف الجهادى المعاصر، فقد بدأت هذه الفكرة عند حسن البنا، لكنها سرعان ما تحولت على يد سيد قطب إلى منظومة فكرية مكتملة، ثم تبلورت كمشروع انقلابى عنيف عند جماعات مثل «التكفير والهجرة» و«القاعدة» و«داعش»، والمآلات الدموية المعاصرة.

والحاكمية تعنى أن الحكم والتشريع لله وحده، ومن ثم فإن أى نظام بشرى لا يطبّق الشريعة، كما يفهمونها، هو نظام جاهلى أو كافر، ترك الحكم بما أنزل الله، وأما الحاكمية فى الفقه الإسلامى فمعناها أن الله هو مصدر التشريع، وأن تطبيق الشريعة فى صورة حكم وقوانين موكول إلى اجتهادات البشر فى ضوء مقاصد الشريعة وفهم الواقع، فكل قانون لا يصطدم بالقرآن ومقاصد الشريعة لا يكون تشريعاً لغير الله، والحاكمية هى الجذر والفكرة المحورية التى تأسست عليها بقية مفاهيم التيارات الإسلامية ومنها انبثقت عدة أفكار كالعصبة المؤمنة، والوعد الإلهى، والجاهلية، والولاء والبراء.

وجذور الحاكمية نتلمسها من رسائل البنا، وبيان ذلك فى (رسالة المؤتمر الخامس) التى كتبها البنا بعد 10 سنوات تقريباً من تأسيس الجماعة، وفيها أعلن البنا انتقال الجماعة من الدعوة إلى تأسيس مشروع سياسى تنظيمى، يقوم على فكرة الحاكمية والتمكين، ثم بعد مدة قليلة نشأ التنظيم الخاص.

ورغم أن البنا لم يكن يُكفّر المجتمع علانية، فإن روح «التمكين القتالى» أثّرت عليه، ولنتوقف عند كلمة مهمة لحسن البنا كانت هى البذرة الأولى وهى (الحاكمية)، ومن هذه البذرة استندت الحركات الجهادية المسلحة إلى نفس المرجعية، وإن اختلفت فى الدرجة لا فى النوع، هى (الحاكمية).

فى (رسالة المؤتمر الخامس)، اعتبر البنا أن الحاكمية -التى هى أصل كل مفاهيم جماعات العنف- اعتبرها من الأصول والعقائد فى الإسلام، مع أنها عند علماء الإسلام من الفروع والفقهيات، لا من الأصول والعقائد، وظل مبدأ الحاكمية هو المبدأ الأم المشترك بين كل تلك الجماعات الإسلامية من الإخوان إلى داعش، فكانت جماعة الإخوان بفكرة الحاكمية بمثابة الجسر الذى تمر عليه كل هذه الجماعات، وعلى الرغم من أن استراتيجيات التنفيذ قد تختلف من جماعة إلى أخرى، فإن البذرة والخيمة واحدة، والبداية من الحاكمية.

يقول البنا فى (رسالة المؤتمر الخامس):

«والحكم معدود فى كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع»، ثم يرتب على قوله هذا أن قال: «فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدى الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف، وهذا كلام واضح لم نأتِ به من عند أنفسنا، بل نقرر به أحكام الإسلام الحنيف، والإخوان لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامى قرآنى، فهم جنوده وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من مناهجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدى كل حكومة لا تنفذ أوامر الله، والإخوان لم يروا فى الحكومات الحالية ولا السابقة ولا غيرهما من الحكومات الحزبية من ينهض بهذا العبء».

ثم اتسع الكلام فى الحاكمية عند سيد قطب فى كتابه: (فى ظلال القرآن)، ثم تحولت إلى دمار وشقاء تام على يد القاعدة وداعش، ومثلت (رسالة المؤتمر الخامس) لحسن البنا فكراً صارخاً مفعماً بالصراع والصدام، كأنك ترى فيه الصورة الأولية لداعش، وإذا ما أردت أن تبرز عمود النسب المعرفى للحاكمية بهذا الفهم المعرفى، لوجدته ينتهى سندها ونسبها المعرفى إلى فكر الخوارج، ومرتكز الإشكال فى قضية الحاكمية هو الفهم السقيم لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).

*نقلاً عن “الوطن”