حرب الإبادة على غزة: بين وحشية الاحتلال والخيانة الداخلية

كتب هاني ابو عمرة*

مع اشتداد وتيرة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واندلاع حرب إبادة تستهدف الشعب الفلسطيني بوحشية غير مسبوقة، نشهد في هذه الظروف القاسية تزايد ظواهر دخيلة تقوض تماسك الجبهة الداخلية وتعكس أزمة قيم داخلية. فعلى الرغم من أن الاحتلال، بجرائمه وسفكه للدماء، لا يحتاج إلى مبرر لإظهار وجهه القاسي، إلا أن هناك فئة من ضعاف النفوس اختارت أن تلعب دورًا مدمرًا من الداخل. هذه الفئة المارقة، التي لا ترتبط بأي قيم وطنية أو إنسانية، تستغل غياب الرقابة وانشغال الشعب بالدفاع عن وجوده، لتشارك في تحطيم ما لم يتمكن الاحتلال من تحطيمه، من خلال عمليات النهب والسلب، واستغلال الأزمات لرفع الأسعار بشكل جنوني، بل والسطو على المساعدات الإنسانية المقدمة للمتضررين.

سطو المنازل المهجورة: خيانة مزدوجة

مع تصاعد القصف والنزوح القسري، اضطر عشرات الآلاف من العائلات إلى ترك منازلهم وممتلكاتهم هربًا من الموت، ليجدوا أن بيوتهم ليست في أمان، حتى بعد أن غادروها. فقد ظهرت فئة من المارقين الذين قاموا بالسطو على هذه المنازل المهجورة، وعبثوا بمحتوياتها، يسرقون ما يجدونه أمامهم وكأنهم يتعاونون مع الاحتلال في هدم أركان حياة الأسر الفلسطينية.

هذه الجرائم، التي تشكل طعنة في الظهر لكل فلسطيني، لا تقل قسوة عن أفعال الاحتلال، بل قد تتجاوزها أحيانًا لما فيها من غدر داخلي. إن هذه الفئة تساهم في زعزعة الاستقرار الداخلي وتشويه صورة الشعب الذي لطالما تميز بتكاتفه في وجه الأزمات. فبينما يترقب النازحون عودة إلى منازلهم، يفاجأون بأنها لم تسلم من أذى الأخ القريب، مما يعمق جرحهم ويشعرهم بأنهم يواجهون عدوين بدلًا من عدو واحد.

استغلال الأزمات لرفع الأسعار: تجار الحروب وضرب مقومات الصمود

أثناء الحروب والأزمات، تنتعش التجارة السوداء وتبرز ظواهر جشعة، تجسد ما يُعرف بـ”تجارة الحرب”. وفي غزة، نشهد استغلالًا بشعًا لحاجة الناس إلى أساسيات الحياة، حيث قفزت أسعار المواد الغذائية والأدوية بشكل خيالي. في الوقت الذي ينبغي فيه تعزيز التكاتف وتوفير احتياجات الناس، استغل البعض منعدمي الضمير الفرصة لتحقيق مكاسب شخصية. هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار يصل إلى خمسين وأحيانًا مئة ضعف، مما يجعل المواد الضرورية بعيدة عن متناول البسطاء الذين يعانون أصلاً من ضيق العيش.

ليس هناك فرق بين رصاص الاحتلال الذي يقتل الروح والجسد، واستغلال بعض أبناء جلدتنا لهذه الظروف الصعبة ليزيدوا معاناة الناس. إن هذه التصرفات تعكس انهيارًا أخلاقيًا لبعض فئات المجتمع، الذين انقلبوا على قيم التضامن وتبنوا أسلوبًا فوضويًا يقوم على استغلال حاجات الناس الملحة.

نهب المساعدات الإنسانية: جريمة توازي جرائم الحرب

وسط هذا المشهد القاتم، تأتي المساعدات الإنسانية كطوق نجاة لآلاف الأسر التي دمر العدوان بيوتها وحرمتها من أبسط مقومات الحياة. إلا أن بعض الأفراد والجماعات لم تتردد في الاستيلاء على هذه المساعدات وسرقتها. هذه المساعدات، التي كان يجب أن تصل إلى الأكثر تضررًا، تُباع في الأسواق بأسعار مرتفعة، مما يجعلها بعيدة عن متناول المستحقين.

النهب المنظم للمساعدات الإنسانية، واستغلالها في تحقيق الربح، هو عمل غير أخلاقي وغير إنساني، يخدم الاحتلال بشكل غير مباشر. إذ يزيد من معاناة الناس، ويغلق أمامهم باب الأمل في الوصول إلى أبسط مقومات الحياة، ويظهر صورة من الاستغلال الذي لا يمكن تبريره. هذه الفئة الخارجة عن القيم الأخلاقية، التي تسرق من أفواه الجائعين، تسهم في تمزيق النسيج الاجتماعي وتُكمل مخططات الاحتلال في إضعاف الجبهة الداخلية.

التماسك الداخلي: حجر الأساس في صمود الشعوب

لطالما أثبت التاريخ أن الشعوب التي تتماسك جبهتها الداخلية وتتوحد صفوفها، قادرة على تجاوز أصعب المحن وأقسى الأزمات. فالصمود في وجه الاحتلال لا يعتمد فقط على المقاومة المسلحة، بل يحتاج إلى تماسك اجتماعي وترابط إنساني يتخطى كل مظاهر الأنانية والجشع. وإن كانت هذه الفئة المارقة، التي تعمل كطابور خامس، تعتقد أنها ستنجو بفعلتها، فإنها غافلة عن حقيقة أن الشعب الفلسطيني يعي أهمية وحدته في مواجهة هذه الحرب المدمرة.

إن الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية واجب وطني، وعلى كل فرد من أبناء هذا الشعب رفض التعامل مع هؤلاء السارقين والمستغلين، ومحاصرتهم اجتماعيًا، حتى لا يجدوا سبيلاً لتحقيق أهدافهم. فكل من يقبل بجرائم هذه الفئة المارقة، سواء بالصمت أو التغاضي، إنما يساهم في تقويض مقاومة شعبنا وإضعاف روح صموده.

نحو مراجعة ذاتية ومحاسبة اجتماعية

ما وصلت إليه بعض الفئات من استغلال للوضع الراهن وغياب الرقابة، يستدعي وقفة صارمة من كل أطياف المجتمع الفلسطيني. يجب علينا أن نسأل: كيف وصلنا إلى هذه الحالة؟ وكيف لهذه الفئة أن تكتسب الجرأة على نهب قوت النازحين ورفع الأسعار بوحشية، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى العون والدعم؟ علينا أن ندرك أن تنامي هذه الظواهر يعود إلى غياب آليات الرقابة وترك الساحة مفتوحة لهذه الفئات التي استغلت الظروف لصالحها.

من الضروري أن نعيد التفكير في كيفية التعامل مع هذه الفئة، ورفض التعامل معهم. فالتسامح مع هؤلاء يعني قبول تدمير قيمنا وتفكيك نسيجنا الاجتماعي. وعليه، فإن التصدي لهذه الظواهر ومحاربتها واجب أخلاقي يقع على عاتق كل فرد في هذا المجتمع.

ختامًا

في ظل هذه الحرب الضروس، لا يمكننا أن نسمح لهذه الفئة المارقة بأن تعبث بمصيرنا، ولا أن تكون أداة أخرى في يد الاحتلال لضرب جبهتنا الداخلية. علينا أن ندرك أن القوة الحقيقية للشعب الفلسطيني تكمن في وحدته وتماسكه، وأن الطابور الخامس، مهما انتشر، لن يجد له مكانًا وسط شعب مؤمن بعدالة قضيته وملتزم بقيمه الأصيلة.

شاهد أيضاً