حرب غزة: أجندة نتنياهو وأجندة ترامب

أشرف العجرمي

وسط خلاف بين المستوى السياسي وبين المستوى الأمني بدأت إسرائيل باستدعاء ستين ألف جندي وضابط احتياط في جيش الاحتلال؛ من أجل تنفيذ مخطط احتلال مدينة غزة بالكامل. ويبدو أن الخلاف احتد بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وبين قادة الأجهزة الأمنية وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان إيال زامير، ورئيس جهاز «الموساد» دافيد برنياع، والقائم بأعمال رئيس «الشاباك» حول صفقة تبادل الأسرى، حيث تؤيد غالبية رجالات الأمن الذهاب نحو الصفقة الجزئية المطروحة على الطاولة من الوسطاء والتي سبق وقبلت بها إسرائيل، بينما يرفض نتنياهو هذه الصفقة ويصر على صفقة كاملة للإفراج عن كل الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين المتبقين في غزة ووقف الحرب بشروط إسرائيل، لم يمنع البدء بتنفيذ قرار نتنياهو بالذهاب نحو الاحتلال الكامل لمدينة غزة و تدميرها فوق الأرض وتحت الأرض.
التناقض في المواقف حول احتلال غزة يتعلق بالأمور البرغماتية وليس بقضايا مبدئية. فالأمنيّون يخشون على حياة المحتجزين في غزة من جهة، ولا يتوقعون أن تنجح العملية في الوقت الضئيل المخصص لإتمامها وهو عدة شهور ربما حتى نهاية العام. فالتقديرات الأمنية تشير إلى أن احتلال غزة سيستغرق عاماً وقد يؤدي إلى مقتل 100 جندي إسرائيلي، ولا يتوقع الكثيرون أن إسرائيل لديها هذا الوقت دولياً، في ظل تنامي الانتقادات الدولية التي وصلت إلى مستوى فرض عقوبات على شخصيات إسرائيلية وعلى توريد السلاح وحتى التجارة مع إسرائيل، على غرار الموقف البلجيكي المتطور الذي يعلن النية للاعتراف بدولة فلسطين واعتبار الوزيرَين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش شخصيتين غير مرغوب فيهما، وحظر استيراد منتجات المستوطنات، وتقييد مشتريات الحكومة البلجيكية من الشركات الإسرائيلية، وفرض عقوبات على المستوطنين وغير ذلك من الإجراءات العقابية. بينما نتنياهو يدعي أن الرئيس الأميركي يؤيد عدم الذهاب إلى صفقة جزئية وبدلاً من ذلك الذهاب إلى حسم المعركة مع «حماس» وعقد صفقة شاملة لإنهاء الحرب بأسرع وقت.
صحيح أن ترامب يؤيد الحسم والانتصار في الحرب والقضاء على «حماس» والإفراج عن الأسرى دفعة واحدة، ولكنه في نفس الوقت يقول: إن الحرب تضر بإسرائيل التي بدأت تفقد التأييد في الكونغرس الأميركي، وإن الحرب تمس بصورتها وتضر بها.. ولهذا فهو معني بإنهائها بأسرع وقت. وقد لا يضغط ترامب على نتنياهو من أجل التوقف عن العملية العسكرية الحالية المتعلقة باحتلال غزة، ولكنه على الأغلب يريد ألا تطول هذه الحرب بسبب التغيرات الكبيرة التي تجري في العالم، وحتى في أوساط الجمهور الأميركي الذي بدأت غالبيته حسب الاستطلاعات الأخيرة تعارض السياسة الإسرائيلية وحرب الإبادة التي تشنها ضد الشعب الفلسطيني في غزة. وليس واضحاً إذا ما كان ترامب سيصطدم مع نتنياهو؛ فهو من النوع الذي يغيّر موقفه بين ليلة وضحاها. وقد يفقد الاهتمام بالملف إذا ما شعر أنه لا يمكن تحقيق إنجاز يحسب له. وهو لا يزال يناور بين ملف الحرب في أوكرانيا وملف حرب غزة أيهما أقرب لتحقيق اختراق. وقد يذهب إلى الملف السوري أو أي قضية أخرى.
وأي خلاف بين نتنياهو وترامب على الأغلب لن يصل إلى اتخاذ مواقف حادة ضد إسرائيل، فهما يؤيدان تهجير الفلسطينيين من غزة وتحويلها إلى «ريفيرا» الشرق الأوسط كمركز تجاري واستثماري مهم، والاختلاف في المواقف حول التكتيك فقط. فالرئيس ترامب يستعجل رؤية النتائج، بينما نتنياهو يحاول كسب الوقت لأسباب شخصية تتعلق بالانتخابات في السنة القادمة وبالملفات الجنائية ضده. وفي نهاية المطاف مَن يمكنه تغيير هذه الخطط والتأثير على الواقع في غزة ليس إسرائيل وحدها، بل حركة «حماس» أيضاً إذا استخدمت الحكمة وأفشلت مخططات نتنياهو.
يمكن أن تقول «حماس»: نحن قد أبدينا مرونة ووافقنا على مقترح ستيف ويتكوف بخصوص الصفقة الجزئية لتبادل الأسرى، ولكن نتنياهو هو من تراجع عنها، وبالتالي لا أحد يلومنا على ما يحدث. ولكن في الواقع يمكن للحركة أن تساهم بصورة جوهرية في وقف الحرب وقطع الطريق على نتنياهو، ليس فقط في تدمير غزة بل وفي تطبيق مشروع الاستيطان والضم في الضفة الغربية، والسبيل الوحيد للبدء في ذلك هو وقف الحرب على غزة. هنا تكمن أهمية الاستجابة للموقفَين العربي والدولي. والموافقة على الشروط الدولية المتعلقة بصفقة شاملة للإفراج عن الأسرى والتنازل نهائياً عن حكم غزة، والتخلي عن السلاح وتسليمه لجهة عربية أو للسلطة الفلسطينية، والذهاب نحو وقف الحرب وتطبيق الخطة العربية الخاصة باليوم التالي في غزة، وإنقاذ غزة من الدمار وتجنيب شعبنا عمليات الإبادة والقتل اليومي. فحركة «حماس» هي وحدها التي يمكنها تغيير مسار الحرب في ظل عدم وجود ضغط دولي حقيقي على إسرائيل لإنهاء الحرب ووقف الجرائم في غزة.. فهل تمضي الحركة نحو تغليب المصلحة الوطنية على أي حسابات أنانية صغيرة؟