حرب غزة تدفع إسرائيل إلى العزلة الدولية

تواجه إسرائيل عزلة دولية متزايدة من التجارة إلى الأوساط الأكاديمية فالدبلوماسية، لكن صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية طرحت سؤالاً مُلحاً عما إذا كان الإسرائيليون سيستمرون في صرف النظر عن عواقب حرب غزة أو سيغيرون المسار.

وقالت الصحيفة إنه في مطلع أبريل، بعد مرور ستة أشهر على حرب إسرائيل على غزة، ركزت العديد من العناوين الرئيسية على عزلة إسرائيل الدولية.

واقتبست الصحيفة عناوين لوسائل إعلام دولية، بينها “جارديان” التي نشرت عنواناً يقول: “معزولون في الخارج.. ممزقون في الداخل”، وكذلك وكالة “أسوشيتد برس” التي كتبت: “بعد 6 أشهر من الحرب.. تزداد عزلة إسرائيل”، كما استشهدت بتقرير لرويترز بعنوان “بعد 6 أشهر من حرب غزة.. تواجه إسرائيل عزلة متزايدة”.

واعتبرت الصحيفة أن هذه الأمثلة مثيرة للقلق، لافتة إلى أن إسرائيل واجهت إجراءات ضدها في محكمة العدل الدولية، وأصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بوقف إطلاق النار في أواخر مارس.

وحتى حلفاء إسرائيل كانوا يصدرون إشارات استنكار، إذ أعربت الولايات المتحدة، أكبر حليف وراعي لإسرائيل، عن تفضيلها القوي لأن تغير إسرائيل مسارها وفرضت عقوبات على بعض المستوطنين، وأصدرت بيانات غاضبة خاصة فيما يتعلق بالوضع الإنساني في غزة والضربة الإسرائيلية التي أدت لسقوط 7 من عمال الإغاثة في “المطبخ المركزي العالمي”، فيما صوتت دول والبرلمان الأوروبي على إجراءات مختلفة تدعو إسرائيل إلى تغيير مسارها.

وتتساءل الصحيفة: هل يهتم الإسرائيليون بمثل هذه التيارات الدولية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يطالبوا بلدهم بتغيير مساره؟

الجواب الجزئي الذي أوردته الصحيفة هو أن “العزلة العالمية” كانت ولا تزال تحذيراً أكثر من كونها ضربة مؤثرة خلال هذه المرحلة، مشيرة إلى أن معظم الإسرائيليين تأثروا بذلك على مستوى المشاعر فقط، ولم يتأثروا بها مادياً على المستوى الشخصي، لافتة إلى أن لدى الإسرائيليين ممارسة راسخة تتمثل في تحميل اللوم عن ذلك لأي شيء آخر سوى سياسات تل أبيب، لكنها أشارت إلى أن كلا العاملين عفا عليهما الزمن.

مشاعر غاضبة
وأكدت الصحيفة أن معظم التدابير المضادة التي اتخذها المجتمع الدولي في النصف الأول من العام من حرب غزة، لم تفد إسرائيل أو الأفراد حقاً، ولم تكن أكثر من مجرد مشاعر سيئة وغاضبة.

وترددت أصداء رافضة عن أميركا، لكنها استمرت في تمرير المساعدات المالية الواسعة وحزم الأسلحة، فيما أعلنت كندا أنها ستنهي صادرات الأسلحة، لكنها بالكاد تُسجل كمورد للأسلحة بالنسبة لإسرائيل.

وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على عدد قليل من المستوطنين، لكن هذا لم يؤثر على الحرب، ثم أعلنت أنها ستفرض عقوبات على كتيبة محددة من الجيش الإسرائيلي في منتصف أبريل، لكنها أوقفت الفكرة مؤقتاً في غضون أيام قليلة، إذ تثير إجراءات محكمة العدل الدولية غضب الإسرائيليين، ولكنها لا تستهدف الأفراد.

وقالت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي، الأحد، إن كندا ستفرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين الذين يحرضون على العنف في الضفة الغربية.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الموجة الجديدة من تطورات العزلة تضع الجوهر فوق الأسلوب، ففي الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الكولومبي أن بلاده ستقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وبعد فترة وجيزة، أعلنت تركيا أنها ستوقف جميع التجارة مع إسرائيل حتى وقف إطلاق النار.

وفي الإطار، قال الأستاذ في كلية بروكلين المتخصص في الشؤون التركية والإسرائيلية لويس فيشمان إنه بغض النظر عن مدى الانتقادات السياسية العامة المتبادلة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بعض الأحيان، كان هناك اتفاق ضمني على عدم المساس بالتجارة أبداً.

وأوضح فيشمان أن الآثار المتتالية يمكن أن تكون واسعة النطاق، فالتجارة بين البلدين ترقى لنحو 9 مليارات دولار سنوياً، كما أن الصادرات والعمالة التركية مهمة لصناعة البناء في إسرائيل، وتصدر تركيا قائمة طويلة من المواد الخام إلى إسرائيل إلى جانب المواد الغذائية والمنتجات والمنسوجات وغيرها من المواد.

وأعلنت وزارة التجارة التركية أنها أوقفت جميع الصادرات والواردات إلى ومن إسرائيل اعتباراً من الخميس، مشيرة إلى “تفاقم المأساة الإنسانية” في الأراضي الفلسطينية.
ولفت فيشمان إلى أن تركيا ستواجه أيضاً عواقب اقتصادية، لأن الخطوط الجوية التركية شركة طيران رئيسية لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، من وإلى تركيا. ومع ذلك، لكنه يقول: “يبدو أن هذه المكاسب طغت عليها مكاسب سياسية محلية”.

ومع تلويح بلجيكا بفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، فمن المعقول أن تنتشر الحسابات السياسية والاقتصادية إلى بلدان أخرى أيضاً.

وتتساءل الصحيفة مجدداً: هل ستصبح إسرائيل معزولة حقاً من حيث التجارة والاندماج في الاقتصاد العالمي؟

وترى الصحيفة أن ذلك لا يزال يبدو نظرياً إلى حد ما، فقطاع التكنولوجيا الفائقة والابتكار في إسرائيل، على سبيل المثال، يعتمد بشكل كبير على الاستثمار الخاص، وغالباً من الخارج. وصمد هذا المجال في الغالب أمام الاضطرابات السياسية الإسرائيلية في عام 2023، ويبدو حتى الآن أنه يتغلب على الحرب.

ومنذ 7 أكتوبر، ذكرت شركة ” Startup Nation Central” أنه من أكتوبر حتى نوفمبر، ارتفعت الاستثمارات الخاصة في الشركات الناشئة الإسرائيلية أولاً، ثم انخفضت في الأشهر التالية، لكن الولايات المتحدة رأت نفس الاتجاه، مع القليل من المؤشرات على أن الحرب هي المسؤولة عن التباطؤ الإسرائيلي.

علاوة على ذلك، احتشدت صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية لمساعدة نفسها، إذ تم إنشاء 20 صندوقاً جديداً للاستثمار، وتم تأسيس ما يقرب من 12 صندوقاً للمساعدة في سد فجوات التمويل، وفقاً لتقرير Startup Nation Central.

مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر، ووسط احتمالات غزو بري ينذر بإطالة أمد الصراع، يبدو الاقتصاد الإسرائيلي أمام اختبار قاسٍ.
ثم تم إنشاء OurCrowd، وهي منصة عالمية للاستثمار، وواحدة من أكبر هذه الصناديق، وقال كبير مسؤولي المحتوى ورئيس التسويق في الشركة، ماثيو كالمان، في مقابلة مع “هآرتس” إنه بسبب التناغم الحكومي، ساعدت الأموال التي جمعتها OurCrowd في فتح المجال أمام تدفق حوالي 100 مليون دولار.

ويبدو أن هذا التضافر الداخلي، أو المرونة، قد دعم قطاع التكنولوجيا الفائقة حتى الآن، وقال كالمان: “قد تكون هناك بعض التأخيرات في إتمام جولات الاستثمار، ولكن من حيث تقديم المنتجات والخدمات من قبل الشركات الناشئة الإسرائيلية، لم يبدو أنه تأثر”.

ويرجع هذا إلى أنه حتى في الشركات التي “خرج 25 % من موظفيها للالتحاق الجيش، تقدم الآخرون للمساعدة”.

وتقول الصحيفة إن الحرب قد تكون حتى ميزة لصادرات الدفاع الإسرائيلية التي بلغت حوالي 16% من صادرات إسرائيل في عام 2022، حيث تم اختبار مجموعة كاملة من المنتجات في المعركة الآن.

كما أن الاعتماد العالمي على التكنولوجيا الإسرائيلية في مجالات متنوعة سيجعل من الصعب على هذا العالم عزل إسرائيل. وهذا ينم عن الحظ الوفير، لأن التكنولوجيا الفائقة تشكل ما يقرب من نصف صادرات البلاد و30 % من إيرادات البلاد.

ولكن في حين أن قوة إسرائيل التكنولوجية يمكن أن تشتت انتباه الإسرائيليين أو تهدئهم، فإن المجالات الحيوية الأخرى من الصناعة العسكرية الإسرائيلية إلى الأوساط الأكاديمية إلى الدبلوماسية تتأثر بالفعل.

وتقول الصحيفة إن هذا ليس تحذيراً أو تنبؤاً، فالعملية بالفعل بدأت. وهناك عدد متزايد من الدول التي تبطئ التدفق إلى الصناعات العسكرية الإسرائيلية.

ففي فبراير، أمرت محكمة هولندية البلاد بوقف تصدير أجزاء معينة تحتاجها إسرائيل لطائرات F-35، إذا كانت إسرائيل هي المتلقي النهائي.

رفع محامون في مجال حقوق الإنسان دعوى قضائية ضد قرار الحكومة الألمانية الموافقة على تصدير ثلاثة آلاف سلاح مضاد للدبابات إلى إسرائيل.
وأعلنت كندا، في مارس، أنها ستتوقف عن تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني أن البلاد توقفت عن إرسال الأسلحة إلى إسرائيل اعتباراً من 7 أكتوبر.

وهذه الدول ليست مورداً رئيسياً للأسلحة لإسرائيل، لكن تقريراً صدر مؤخراً عن تجارة الأسلحة العالمية ذكر إيطاليا كثالث أكبر مورد لإسرائيل، وإن كان يشكل جزءاً صغيراً.

وبطبيعة الحال، تمثل الولايات المتحدة أكبر مورد لإسرائيل، وقد قاومت إدارة الرئيس جو بايدن بثبات الضغوط لوقف المساعدات العسكرية أو اشتراطها حتى الأربعاء، حيث أعلن بايدن تعليق إرسال شحنة قنابل لإسرائيل، والتلويح بتعليق صفقات أسلحة أخرى إذا اجتاحت إسرائيل مدينة رفح الفلسطينية.

وجاءت التقارير عن تأخر عمليات نقل الأسلحة هذا الأسبوع، كتحذير لإسرائيل بعدم توسيع عملية رفح، وعلى المدى الطويل، يمكن أن يتفاقم تعليق إيصال الأسلحة بسبب الجهود الرامية إلى إنهاء الشراكات البحثية العسكرية.

وتدعو مجموعة تسمى “معسكر علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ضد الإبادة الجماعية” إلى إنهاء رعاية وزارة الدفاع الإسرائيلية لـ “أبحاثها المتعلقة بالحرب”، بحجة أن المعهد لا يتلقى تمويلاً من أي جيش أجنبي آخر، لكنه تلقى 11 مليون دولار من إسرائيل.

وتلاحظ المجموعة أيضاً أن المعهد أنهى تعاونه الأكاديمي مع معهد تكنولوجيا روسي بعد أيام فقط من غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022.

وفي حين أن أسباب الحربين مختلفة، تحتج مجموعة “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” على سلوك إسرائيل، وتقوض سابقة “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” الأخيرة مع روسيا الاتهام باستهداف إسرائيل على وجه التحديد.

وبطبيعة الحال، أصبحت الأوساط الأكاديمية نقطة الانطلاق الأساسية لمحاولات عزل إسرائيل، وهزت احتجاجات الحرم الجامعي الولايات المتحدة لأسابيع، وانتشرت إلى عشرات الجامعات في جميع أنحاء البلاد.

وقد توصل العديد منها إلى اتفاقات مع الطلاب المحتجين، بما في ذلك جامعات براون وكاليفورنيا وريفرسايد ونورث وسترن وكلية إيفرجرين ستيت، إذ تختلف تفاصيل هذه الاتفاقات.

وتقول الصحيفة إن الطريق إلى سحب الاستثمارات الفعلي من الشركات الإسرائيلية طويل ومعقد وغير مضمون على الإطلاق، لكن بشكل عام، تشكل الاتفاقيات فرصة لسماع مطالب المحتجين في قرارات الاستثمار في هذه الجامعات في المستقبل.

رد إسرائيل
ولأسابيع وشهور، كان من الواضح أن عملية الجيش الإسرائيلي في رفح ستكون نقطة تحول، إذ ذكر مصدر دبلوماسي مصري سابق أن شبح مثل هذا التوغل في رفح قد فتح نقاشاً عاماً حساساً للغاية في مصر حول ما إذا كان الطرد المحتمل لسكان غزة إلى مصر يمثل خرقاً لمعاهدة السلام بين إسرائيل ومصر.

ولدى كل من الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل مصلحة عميقة في الحفاظ على تلك المعاهدة، لكن العلاقة ستخضع لاختبار قاسِ.

والأسبوع الماضي، تلقت إسرائيل معلومات تفيد بأن المحكمة الجنائية الدولية قد تبدأ في إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين، ورغم كل ذلك، سارعت إسرائيل هذا الأسبوع بالدخول عسكرياً إلى معبر رفح، الأمر الذي من شأنه أن يعمق مستنقعها الدولي، وفقاً للصحيفة.

ولفتت إلى أن موقف إسرائيل الرسمي، وتوجهها العام، يفضل دائماً صرف اللوم من خلال افتراض أن المشاعر المعادية لإسرائيل والمعادية للسامية هي أصل هذه الاتجاهات.

وأوضحت أنه رغم ذلك، لا يمكن إنكار أن أسوأ هذه التطورات الدولية بالنسبة لإسرائيل ظهرت فقط بسبب هذه الحرب، وحتى تلك التطورات بدأت فقط بعد ما يقرب من نصف عام منها.

وتخلص الصحيفة إلى أن إسرائيل استمتعت لعقود، باندماج عالمي قوي ومتزايد، والآن يبدو أن الرحلة على وشك الانتهاء. ويمكن للإسرائيليين إما مواجهة خسارتهم على المسرح العالمي وتغيير المسار، أو مواصلة تحميل اللوم للآخرين، ولكن لن تكون الدولة نفسها كما كانت قبل.

شاهد أيضاً