في العدوان المتواصل على فلسطين قال الجميع ما لن يختلف الأغلب عليه بأن الفرصة الذهبية ل”نتنياهو” وزمرته قد أتت واقتنصها، أو اختلقها فصنع مجزرته ومقتلته العظمى، ليكمل ما بداه “بن غوريون” بتخليص أرض فلسطين من سكانها الأصليين من أكثر من 20 ألف سنة حيث الحضارة الناطوفية والكبارية وصولًا للعصر الحديدي، وما تلاه، وهم منغرسون كالزيتون وسيبقون.
لم تتوقف عملية القتل والتدمير فيما أراده الإسرائيلي الموغل في عليائيته ووحشيته، وعنصريته ونبذه للآخرين، وقسوته المستمدة من أسطورة “فرادة” جنسه الموسوم أنه لوحده دون سائر البشرية قد اختاره “الرب” كخاصة له، أكان قاتلًا أم ظالمًا أم حقيرًا، أو كان صالحا أو طيبًا في فهم يتجاوز كل الشرائع والقيم الانسانية وعدالة الرب!
قام “نتنياهو” باستغلال الفرصة، وضرب ضربته القوية لتدمير الشعب العربي الفلسطيني وقتله أوتهجيره وترويع الأمة الخوّارة وضمان ولائها وانصياعها الأبدي، كما أراد نهج اليمين بخطته المتمثلة بتصنيف الفلسطيني بين الطيب أي المستسلم لغزو الأرض وانتهابها، والمتمرد الذي يجب قطع رقبته، والمتخلخل المطلوب طرده ه لخارج فلسطين مع قُبلة وداع! واستطاع نتنياهو أن يثبت للعالم أن حرب وجوده كدولة حققت مبتغاها حين أعلن الغرب الاستخرابي/الاستعماري قاطبة وخاصة الامريكي أنها وجدت لتبقى وتنتصلر!
إن كان الكيان وُجد ليبقي وينتصر! (قال جمال عبدالناصر لياسر عرفات أن الثورة والمقاومة الفلسطينية وجدت لتبقى، وأضاف أبوعمار ولتنتصر، وقد صدقا باذن الله) فهو قد أثبت انتصاره على الانسان والأرض بالدمار المرعب، وبسيل الدم المتدفق ما بين لبنان وفلسطين وسوريا، وقريبًا سيغطى وجه الأمة الأكلح ليتحول من حنطي أو أسمر الى أحمر! ولا أحد يفقه أو يعتزل ذاته المتكومة على مصالحها الشبقية لينظر ويدقق ويراجع ثم يستعد للقادم الداهم.
كتبنا وغيرنا الكثير عن حكومة اليمين المتطرفة التي أعادت الأمور لبداياتها أي ما قبل النكبة وحولها، ولبدايات الاستخراب (الاستعمار) الغربي لآسيا وافريقيا وامريكا، وهو الاستخراب الذي وجد من المبررات الكثير ليجعل من ذاته “أسطورة التحضر” ضد الأمم الخائبة أو الهمجية أوالبربرية مما التقطه “هرتسل” في كتابه دولة اليهود معلنا حملَهُ ذات اللواء وتبعه جابوتنسكي ووايزمان وبن غوريون ونتنياهو الذي يفترض يوميًا أخلاقية ما يفعل تحت حجج مختلقة لا داعي لتكرارها.
كل هذا مما سبق على مدار العام الاحمر، والعصر الأسود أصبح معروفًا لأولي الألباب أما ما لا يُفهم وهو “العجب العُجاب” فيتمثل باقتسام الأمة العربية والاسلامية الصامتة وانحشارها بين المحاور(من المفترض أن القضية المركزية والمحور الوحيد للأمة هي فلسطين) وليس من المحاور الحقيقية الا محورين فاقعين! أحدهما رابضٌ في البعيد يترقب الإذن لضرب المحور الاول أي الصهيو-أمريكي، ويبادله المحور الثاني ذات التحية الحنونة! لترقب الضربة المدروسة والمعلنة وعبر الطرف الوسيط (ساعي البريد) اللطيف والكيّس!
فما بين المحورين أكبر بكثير مما كان يتوقعه المقاومون أو الثوار، أو المعتدلون على طرفي المحورين فبينهما كما يقولون (عيش وملح) أي مصالح ونفوذ وأطماع أكبر منك أيها الفلسطيني الهائم على وجهه، واكبر منك أيها العربي، وأيها اللبناني والسوري…الخ، وهي مصالح بانت بوضوح بتبادل تحايا الضربات اللطيفة والخفيفة والنظيفة! إنها مصالح تتفوق على إداراك المرابطين الى يوم الدين، وتتجاوز إداراك المجاهد بذاته بجهاده الداخلي وجهاده الخارجي وجهاده الأكبر، وإن شئت لك أن تسميه ثورة أوكفاحًا او مقاومة او نضالًا! بل وتتجاوز إدراك الواقف متأهبًا على عتبة قدم الصهيو-أمريكان بانتظارالدور للتقبيل.
يتبادل المحوران التحايا ورفع القبعات! كما يتبادلان التلويحات بالقوة فيما أنه حين يجدّ الجدّ لا تجد الا عمليات “التحسيس العسكري” التي يعلم كل طرف حجمها وتوقيتها ومكانها وأدواتها…الخ من تفاصيل تجعل منها مسرحية أو عرضًا سينمائيا أكثر منها حرب “وجود”!؟
عندما قرر الراحل جمال عبدالناصر (الذي يتشائم المحورين من ذكره) أن يردّ الضربة كثّف من العمل بكافة الميادين، فوحّد الأمة وكان لخليفته أن قام بضربة 6 أكتوبر المجيدة. وعندما توقفت مصر الأمة عن القتال فهم الفلسطينيون المقاومون المعادلة فربطوا السياسة بالميدان. ولما يزالوا يفعلون. الى أن تم تخليق المحور الجديد (بعد نهاية حرب الاسلامويين الإرهابيين الى حين، وهي التي دعمها المحوران) المحورالذي يرتهن جزء من الأمة لمصالحه بمنطق المرافق والقائد فالاول يموت لاجل الثاني حكمًا، مقابل الآخر الذي تم ضغطه تحت أقدام المحور الاستخرابي الصهيوأمريكي فضاعت قوة الأمة وعزتها بين هذا وذاك، وتنافس المحوران المتحكمان بالإقليم بحجم الحنان واللطف ورد اللطف بينهما فيما ينقله ساعي البريد الألطف!