حركة حماس: نعمة أم نقمة على الشعب الفلسطيني وقضيته؟ قراءة نقدية في الدور والنتائج منذ النشأة حتى اليوم

د. عبد الرحيم جاموس

منذ لحظة نشأتها أواخر ثمانينيات القرن الماضي، لم تكن حركة حماس مجرد تنظيم مقاوم في سياق صراع تحرري وطني، بل كانت ـ موضوعيًا ـ عاملًا إشكاليًا مركّبًا أعاد تشكيل المشهد الفلسطيني على نحو خدم، في محطات مفصلية، الاستراتيجية الإسرائيلية أكثر مما ألحق الضرر بها.
والسؤال الذي لم يعد من الممكن الهروب منه اليوم: هل كانت حماس نعمة أم نقمة على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية؟
أولًا: من مقاومة الاحتلال إلى تفكيك المشروع الوطني
ظهرت حماس في سياق انتفاضة شعبية جامعة (1987)، لكن مشروعها الأيديولوجي قام منذ البداية على منافسة منظمة التحرير لا استكمالها، وعلى تقديم “الإسلام السياسي” بديلًا عن المشروع الوطني التعددي.
هذا الخيار لم يكن تفصيلاً تنظيميًا، بل نقطة كسر استراتيجية في وحدة التمثيل الفلسطيني، وهي الوحدة التي شكّلت تاريخيًا أحد أهم مصادر قوة الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال.
بانقلاب 2007، تحوّلت حماس من فاعل مقاوم إلى سلطة أمر واقع، وأدخلت القضية الفلسطينية في أخطر انقسام سياسي وجغرافي في تاريخها الحديث. ومنذ تلك اللحظة، لم تعد غزة ورقة ضغط وطنية، بل رهينة قرار فئوي مغلق، يُدار بمنطق الأيديولوجيا لا بمنطق المصلحة الوطنية العليا.
ثانيًا: كيف تحوّلت حماس إلى “أصل استراتيجي” لإسرائيل؟
عمليًا، جنت إسرائيل من وجود حماس كفاعل رئيسي في الصراع فوائد استراتيجية هائلة، يمكن تلخيص أبرزها في النقاط التالية:
ضرب وحدة التمثيل الفلسطيني: وجود حماس خارج منظمة التحرير، ثم في مواجهة السلطة، مكّن إسرائيل من الادعاء الدائم بأنه “لا يوجد شريك فلسطيني موحد”.
تشويه عدالة القضية الفلسطينية: من خلال ربط النضال الفلسطيني بصور العنف غير المنضبط، وفصل المقاومة عن القانون الدولي، ما سهّل على إسرائيل تسويق نفسها كـ“ضحية” أمام الغرب.
تبرير الحصار والإبادة: كل حرب على غزة كانت تُقدَّم باعتبارها حربًا على “حماس”، بينما كان الثمن يُدفع من دم المدنيين والبنية الاجتماعية الفلسطينية.
إدامة الانقسام كسياسة إسرائيلية رسمية: إسرائيل لم تُخفِ يومًا تفضيلها بقاء حماس في غزة، لأنها تُبقي الفلسطينيين منقسمين، وتُفشل أي مسار سياسي جدي.
تحويل غزة إلى مختبر أمني: بوجود حماس، حوّلت إسرائيل القطاع إلى ساحة اختبار للأسلحة، والتكنولوجيا، وعقائد السيطرة الحديثة، دون كلفة سياسية حقيقية.
ثالثًا: السابع من أكتوبر… ذروة المقامرة وانكشاف الوهم
شكّل السابع من أكتوبر 2023 اللحظة الأكثر فجاجة في انفصال حماس عن الواقع السياسي والاستراتيجي. فبينما قرأت الحركة الحدث بوصفه “إنجازًا تاريخيًا”، قرأته إسرائيل كفرصة نادرة لإعادة تشكيل الإقليم، وتدمير غزة، وكسر ما تبقى من القيود الدولية والأخلاقية على سلوكها.
النتيجة لم تكن “توازن ردع”، بل:
تدمير أكثر من 90% من غزة، تهجير غالبية السكان،
عشرات الآلاف من الشهداء، فقدان السيطرة على معظم الأرض، وفتح الباب أمام مشاريع إعادة احتلال دائم أو تهجير قسري.
ورغم ذلك، خرجت حماس بوثيقة تتحدث عن “عشرين إنجازًا”، في إنكار صادم للواقع، واستخفاف غير مسبوق بدماء الضحايا ومعاناة المجتمع الغزي، وكأن المطلوب تطبيع الكارثة لا مساءلة القرار.
رابعًا: مأزق الرواية… حين تنفصل الأيديولوجيا عن الشعب …
الأخطر من الخسارة المادية هو الانفصال المعرفي والسياسي الذي تعكسه سردية حماس:
رواية ترى الهزيمة نصرًا، والكارثة إنجازًا، وتعتبر بقاء التنظيم غاية بحد ذاته، حتى لو كان الثمن تفكك المجتمع الفلسطيني وضرب قضيته في الصميم.
هنا لا نكون أمام خلاف سياسي عابر، بل أمام صدام رؤيتين:
رؤية وطنية ترى في السياسة فن تقليل الخسائر وتعظيم المكاسب، ورؤية أيديولوجية ترى في المغامرة الدائمة وسيلة للبقاء، ولو على حساب الشعب.
خلاصة القول:
لم تكن حماس ـ في حصيلة تجربتها ـ نعمة على الشعب الفلسطيني، بل تحوّلت، بفعل خياراتها وسلوكها، إلى نقمة مركّبة: على وحدة الشعب، وعلى عدالة القضية، وعلى مستقبل غزة، وعلى إمكانية بناء مشروع تحرري عقلاني قادر على محاسبة الاحتلال لا خدمة سرديته.
إن أخطر ما تواجهه القضية الفلسطينية اليوم ليس فقط الاحتلال الإسرائيلي، بل غياب المراجعة الصادقة، واستمرار منطق الهروب إلى الأمام، وتسويق الكوارث كإنجازات.
فالشعوب لا تتحرر بالأوهام، ولا تُبنى الدول على أنقاض الإنكار.
د. عبد الرحيم جاموس
الرياض
29/12/2025 م