في ظل حرب مفتوحة تستهدف الوجود الفلسطيني برمّته، ومع استمرار المجازر في غزة، وتصاعد الاقتحامات والاعتقالات والحصار في الضفة الغربية، تمرّ القضية الفلسطينية بمرحلة غير مسبوقة من الخطر الوجودي. وفي قلب هذا المشهد، تقف حركة فتح أمام استحقاق تاريخي لا يمكن تأجيله أو القفز عنه: إعادة بناء ذاتها لتكون بمستوى التحديات الوطنية الكبرى.
فتح، التي قادت المشروع الوطني الفلسطيني لعقود، ليست مجرد تنظيم سياسي، بل حركة تحرر وطني شكّلت العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وحملت عبء القرار الوطني في أصعب المراحل. واليوم، فإن أي تراجع في دورها أو إرباك في بنيتها لا ينعكس على الحركة وحدها، بل يطال مجمل الحالة الوطنية الفلسطينية.
ما تواجهه فتح اليوم ليس أزمة أسماء أو مواقع، بل أزمة مرحلة تتطلب قراءة عميقة وجريئة. فالتغيرات الإقليمية والدولية، وانسداد الأفق السياسي، وسياسات الاحتلال القائمة على الإبادة والتجويع والتهجير، تفرض على الحركة أن تنتقل من إدارة الواقع القائم إلى إعادة صياغة دورها كحركة تحرر تقود المواجهة السياسية والشعبية.
لقد أظهرت السنوات الأخيرة وجود فجوة متنامية بين الشارع الفلسطيني وبين البنى التنظيمية، وضعفاً في الفعل الجماهيري المنظم، وتراجعاً في إشراك الكادر الشاب والقوى الحية. وهذه الوقائع لا يمكن معالجتها بالمعالجات الجزئية أو الترتيبات المؤقتة.
من هنا، فإن عقد المؤتمر العام لحركة فتح لم يعد شأناً تنظيمياً داخلياً، بل ضرورة وطنية ملحّة. فالمؤتمر هو الإطار الشرعي والديمقراطي الوحيد القادر على:
• تجديد الشرعيات التنظيمية والسياسية.
• إجراء مراجعة شاملة للتجربة في ضوء المتغيرات.
• إعادة الاعتبار للديمقراطية الداخلية والمساءلة.
• ضخ دماء جديدة قادرة على الفعل الميداني والسياسي.
• صياغة برنامج سياسي واضح يستند إلى الثوابت الوطنية وأشكال النضال المشروعة.
إن تأجيل المؤتمر أو تفريغه من مضمونه الحقيقي يعني تعميق الأزمة، وترك الحركة عرضة للتآكل الداخلي، في وقت يحتاج فيه شعبنا إلى قوى وطنية متماسكة وقادرة على القيادة.
اليوم، لا يطلب الشارع الفلسطيني من فتح المستحيل، بل يطلب منها أن تعود إلى جوهرها: حركة منحازة للشعب، حاضنة للوحدة الوطنية، وقاطرة للفعل الوطني المنظم.
فتح القوية والمتجددة هي الضمانة الأساسية لحماية منظمة التحرير، ومنع أي محاولات لتهميشها أو تجاوزها، وهي القادرة على إعادة الاعتبار للمشروع الوطني في مواجهة مخططات التصفية.
إن المؤتمر العام لحركة فتح هو بوابة العبور من حالة التردد إلى المبادرة، ومن إدارة الأزمة إلى قيادة المواجهة الوطنية.
فإما أن يكون المؤتمر محطة إنقاذ وتجديد حقيقي، وإما أن يستمر النزيف السياسي والتنظيمي في لحظة لا تحتمل المزيد من الخسائر.
في زمن الإبادة والحصار، لا مكان لحركة مترددة، بل لحركة بحجم شعبها وتضحياته.
وفتح، إن أرادت أن تبقى في موقعها التاريخي، فإن عليها أن تجدد نفسها الآن …لا غداً





