السياسي – يتزايد القمع العالمي للأصوات والجهات الداعمة لمنتقدي الاحتلال الإسرائيلي، وسط أحداث مهرجان غلاستونبيري وقمع الصوت المعارض لـ”إسرائيل” والداعم لفلسطين وحرية الفلسطينيين من المغني بوب فيلان.
وجاء في مقال للمعلقة ميشيل غولدبيرغ نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” أن “فكرة موسيقى البانك روك الجديدة ظلت تعتبر صورة عن المحافظة الجديدة وصارت شعارا شائعا في عهد دونالد ترامب، يردده طلاب الجامعات من اليمين البديل والسياسيون المتعطشون للسلطة وكتاب العناوين الرئيسية.
وزعموا أن التقدميين أصبحوا منفذين صارمين للمحرمات، بينما أصبح اليمينيون متمردين وقحين يتجاوزون حدود التعبير المسموح به.”.
وأضافت غولدبيرغ أنه “بينما تزايد احترام اليساريين للسلامة والحساسية، استمتع أعضاء اليمين الجديد بالتجاوزات وصوروا أنفسهم كأبطال لحرية التعبير”، قائلة إن “هذه الفكرة ظلت خادعة دائما، لأن المحافظين الأمريكيين عندما يصلون إلى السلطة يلجأون حالا وحتما إلى سلطة الدولة لفرض رقابة على الأفكار التي لا تعجبهم، مع أنها ترسخت لاحتوائها على جزء أو ذرة من الحقيقة”.
وأوضحت “تبدو الثقافة اليسارية على الإنترنت، ناقدة جدا، بشكل تجعل من يتفاعلون معها خائفين من قول الخطأ ويشعرون بالاستياء من طهارتها المكبوتة.. وعلى النقيض من ذلك، منح اليمين حرية التعبير دون قيود. وهذا، على الأرجح، جزء مما جذب الكثير من الرجال المهمشين إلى فلك ترامب”.
وتضيف الكاتبة أن اليسار هو من يكتشف اليوم القوة الثقافية للصدمة، وهذا ناجم عن الرعب والمجازر في غزة وحقول الألغام من المحرمات التي وضعت أمام مناقشتها.
وتقدم الضجة الدولية التي أحاطت بأداء ثنائي موسيقى الراب البانك بوب فيلان في مهرجان غلاستونبيري الموسيقي البريطاني في نهاية هذا الأسبوع. فقد قاد مغني الفرقة حشدا غفيرا، بعضهم لوّح بالأعلام الفلسطينية، في هتافات “الموت، الموت لجيش الاحتلال الإسرائيلي”. وقد انتقد كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، بوب فيلان بسبب “خطاب الكراهية المروع”، وطالب بي بي سي بإجابات عن سبب بثها للعرض. وتقوم الشرطة بمراجعة لقطات من العرض لمعرفة ما إذا كان قد تم انتهاك أي قوانين جنائية.
وكان من المقرر أن يقوم بوب فيلان بجولة في الولايات المتحدة هذا العام، لكن وزارة الخارجية ألغت تأشيرات أعضائها. ولم تكن هذه هي الفرقة الوحيدة التي أثارت ضجة في مهرجان غلاستونبيري. حتى قبل انطلاق المهرجان، انتقده ستارمر لمشاركة فرقة الراب الأيرلندية نيكاب في برنامجه.
وقالت غولدبيرغ إنها تتفهم سبب خوف وفزع مؤيدي إسرائيل من العروض في غلاستونبيري، حيث لا يرى الكثيرون سوى معاداة السامية كسبب لتنامي العداء التقدمي للصهيونية. لقد شهدوا يهودا يهاجمون ويشيطنون وينبذون باسم العدالة للفلسطينيين. ويشعرون بمرارة بالغة لرؤية العنف ضد إسرائيل يهتف له في مهرجان موسيقي بعد أقل من عامين من هجوم حماس على مهرجان موسيقي في إسرائيل.
وأضافت الكاتبة أن معاداة السامية تثير بالتأكيد بعض العداء تجاه إسرائيل، إلا أنها لا تكفي لتفسير سبب انغماس هذا العدد الكبير من الشباب المثاليين في قضية فلسطين، وشعورهم بالاشمئزاز الشديد من سحق غزة.
ولفهم السبب، عليك أن تفهم كيف تبدو حرب إسرائيل على غزة بالنسبة لهم.
وأوضحت أن الكثير من هؤلاء الأشخاص يشعرون بالعجز وهم يشاهدون حربا خلفت، اعتبارا من كانون الثاني/ يناير، أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف للفرد في العالم. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، يرون فلسطينيين يائسين يخاطبونهم مباشرة من بين الأنقاض.
تابع بعضهم نجم تيك توك المراهق ميدو حليمي، الذي درس في مدرسة ثانوية في تكساس، وصور فيديوهات انتشرت على نطاق واسع عن “حياة الخيمة” قبل أن يقتل في غارة جوية إسرائيلية. ربما شاهدوا فيديو لطفل جائع يبكي ويأكل الرمل.
وذكرت غولدبيرغ أن أعيان حرسي علي، الصومالية الأصل التي ارتدت عن الإسلام وأصبحت مسيحية، والمعروفة بنقدها للإسلام والمسلمين، حملت وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية خلق حركة ثقافية مناهضة لإسرائيل قائلة: “الخوارزمية هي العامل المسرع”، وتقول الكاتبة إنها ليست مخطئة تماما، لكنها تغفل دور إسرائيل في إنشاء المحتوى الذي يغذي هذه الخوارزمية.
وقالت إنها سمعت من إسرائيليين وأنصارهم وهم يسخرون من الناشطين المؤيدين لفلسطين ،متهمين إياهم بجهلهم بتاريخ المنطقة وجغرافيتها. لكن العديد من هؤلاء النشطاء قد طوروا معرفة وثيقة بالبؤس الذي لا يطاق للحياة في غزة في الوقت الحالي، وهو مستوى من المعاناة الإنسانية التي غالبا ما يتجاهلها المدافعون عن إسرائيل.
ومن هنا فالإسرائيليين وأنصارهم يعرفون كيف يحتجون على هذه المعاناة أو رفضها باعتبارها تحريضا على معاداة السامية.
وأشارت الكاتبة إلى ما نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الأسبوع الماضي عن قتل الجنود الإسرائيليين الفلسطينيين عند مراكز توزيع المساعدات الإنساني. ويبدو أن بعض الجنود يطلقون على عمليات إطلاق النار هذه اسم “عملية السمك المملح”، تيمنا بالنسخة الإسرائيلية من لعبة الأطفال “الضوء الأحمر، الضوء الأخضر”. واتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في سخرية لا حدود لها، صحيفة “هآرتس” بنشر “فدية الدم ” المعادية للسامية.
وقالت غولدبيرغ إن دولة إسرائيلية تتصرف بهذه الطريقة ستكون محطا للكراهية ولأسباب لا علاقة لها بمعاداة السامية. إن المحاولات الخرقاء التي تبذلها إسرائيل وحلفاؤها لطمس هذا الاشمئزاز عبر إطلاق اتهامات التعصب لا تضفي عليه إلا شعورا بالخوف من الحقيقة الممنوعة.
وهذا لا يبرر استفزازات بوب فيلان أو نيكاب، لقد قصدا الإساءة، وقد فعلاها. مع ذلك، ينشأ التطرف، أحيانا في الفجوة بين ما يشعر به الناس وما يعتقدون أنهم قادرون على قوله.