الحلقة السادسة والأخيرة:
هناك كتابان صدرا عن مكتب الإعداد والدراسات والإعلام للقيادة القطريّة بعد استلام الرئيس بشار الأسد قيادة الدولة والحزب, الأول باسم “ماجد شدود”, عضو القيادة القطريّة رئيس مكتب الإعداد, حول موقف الرئيس الرحل حافظ الأسد من العروبة والإسلام, وهو بعنوان (العروبة والإسلام في فكر القائد الخالد حافظ الأسد), والكتاب أو الكراس الثاني بعنوان: (العروبة والإسلام وحدة القيم, ومسيرة التكامل). سلسلة الثقافة الحزبية والعامة رقم /3/. وكاتبه يبدو برأيي مشوشاً فكريّاً وغير ممنهج, والكثير من معلوماته اعتمد فيها على كراس ماجد شدود, ورؤية عفلق من الدين. الذي اقتبس منه مقولته التي تؤكد على أن ( حركة البعث وجدت في فترة تاريخيّة فاصلة تميزت بمرحلتين, المرحلة الأولى: مرحلة القومية العربية المجردة التي اقتضاها الصراع التحرري من الهيمنة العثمانيّة, والمرحلة الثانية: المتمثلة في ظروف هيمنة الاستعمار الغربي… وهذه المرحلة هي التي أعادت الأمور إلى نصابها, حين أعادت الإسلام إلى العروبة أو إلى القوميّة العربيّة.. وفي هذه المرحلة نشأ التيار الفكري الجديد الذي شق الحزب من خلاله طريقه للكشف عن علاقة العروبة بالإسلام, والنظر إلى العروبة كتيار تقدمي, وحركة تاريخيّة مهدت لانطلاقة البعث المستمدة من التصور الثوري للتراث.). (15). كما نجد أيضاً في هذا الاتجاه بعض الرؤى أو المواقف الذهنيّة التي لا تخرج من حيث مضمونها بالنسبة لمسألة ربط العروبة بالإسلام عن رؤى الكراسين المشار إليهما أعلاه, فهناك رأي للأمين القومي المساعد لحزب البعث “عبد الله الأحمر” في كراس بعنوان:( خطاب البعث المتجدد إلى الشباب العربي), صادر عن القيادة القومية, من الصفحة,/32 إلى 36/, وكذلك في كراس ” (بعض المقولات الأساسية حول تطوير الحزب), صادر عن مكتب الأمانة العامة لحزب البعث), من الصفحة/30 إلى 36/.
عموماً تظل الرؤى الواردة في المراجع التي أشرنا إليها في جوهرها تقوم على التلفيق بين العروبة والإسلام من جهة أولى, كون الدين عقيدة وأخلاق ذات توجهات أمميّة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين), مثلما تقوم هذه الرؤى على تسويق مواقف سياسية براغماتيّة (نفعيّة) تحاول إشعار الآخرين بأن البعث, أو السلطة (بشار الأسد ومن قبله والده), ليست ضد الدين, ولكن بطريقة بعيدة عن التحليل المنطقي والعقلاني. بيد أن الأخطر من كل ذلك هو محاولة ما كتب في هذه الكراسات من رؤى فكريّة وتاريخيّة, تحاول الالتفاف على فكر الحزب وعلمانيته تجاه الدين كما جاء في منطلقاته النظريّة التي لم تتطرق للدين وحيدته كما أشرنا سابقاً من جهة, ثم إن مسألة العودة إلى فكر مشيل عفلق المشبع بالروح العاطفيّة والوجدانيّة اتجاه الدين, تأتي في المحصلة خدمة لسياسات تحمل الكثير من الرغبة في فسح المجال واسعا لحضور الفكر الديني على حساب الفكر العقلاني من جهة ثانية, وعلى هذا الأساس لم تعد هذه السياسات الإسلاميّة النفعيّة في أدبيات الحزب هنا قادرة لا على استيعاب هذا الفكر الديني وتعقيله, ولا هي قادرة على تجاوزه أو الحد من غلوائه من خلال العودة إلى فكر حزب البعث الحقيقي الذي حددت بنيته الفكريّة في منطلقاته النظريّة , فراح بعض المطبلين لبشار الأسد يعملون على التلفيق في مسألة الربط بين الدين كعقيدة والقوميّة كحالة سياسية, أو ما سمي بمسألة الربط بين العروبة والإسلام. في الوقت الذي يحارب فيه كل من يحاول أن يدخل الدين في السياسة داخل سوريّة وخاصة تيارات الإسلام السياسي.
إن كل الذي جئنا عليه من مواقف تلفيقيّة وبراغماتيّة في مسألة العلاقة بين العروبة والإسلام التي عرضت بالطريقة لاعقلانيّة, قد ساهم كثيراً بفسح المجال واسعاً أمام المد الديني السلفي الأصولي في سورية, وإعطاء المؤسسة الدينيّة الرسميّة الدور في التأسيس لهذا الخطاب, الذي راح يهيمن شيئاً فشيئاً على عقول وفكر الشباب في سورية, حيث تحولت سورية فعلاً إلى قلعة للفكر السلفي, من خلال مشايخه الموالين لبشار وقبله والده حافظ برئاسة المؤسسة الدينية الرسمية ومشايخ السلطان وعلى راسهم الشيخ البوطي, ومن خلال مجلة “نهج الإسلام”, وعبر منابر الجوامع والصالات الفخمة التي راح يحاضر فيها البوطي بشباب الرحمن, إضافة لوسائل الإعلام التي سخرت جميعاً لرجال هذا الفكر, والأهم من هذا وذلك عبر عشرات الآلاف من الداعيات القبيسيات والدعاة الذين وصل عددهم كما قال أحد أعضاء القيادة القطريّة المكلفين بمكتب الإعداد والثقافة متفاخراً على القناة الاخبارية السورية في مقابلة خاصة معه عام 2014, بأن عدد الدعاة من الجنسين وصل إلى /60/ ألف داعي وداعية كلهم يدعون المسلمين والمسلمات إلى الصلاة وارتداء الحجاب, والعودة إلى الدين الحنيف وتعاليمه وقيمه التي سار عليها السلف الصالح من أجدادنا في القرون الثلاثة الأولى, وتنفيذا لرغبة حافظ الأسد وبشار الأسد في نشر الدين الوسطي الحنيف, الأمر الذي ساهم في انتشار ظاهرة القبيسيات وشباب الرحمن في عموم سورية, مثلما انتشر ارتداء (الكلبيات) القصيرة الوهابيّة للشباب والرجال أثناء صلاة الجمعة, كما راح هذا الفكر السلفي يعبر ليس عن جوهره التكفيري عبر تنسيقه مع الفكر الوهابي – بعد أن استدعي العريفي والقرضاوي إلى دمشق -, بل وعن طموحه في بناء دولة الحاكميّة التي تقوم على تكفير كل من يقول بالعلمانيّة, مثلما كفر الفكر الوضعي بعمومه ومنه فكر حزب البعث بالضرورة, كما سنبينه الآن.
دعونا نعود الآن إلى مقولة حافظ الأسد في الإسلام ودوره ومكانته, التي جئنا عليها سابقاً وهي : ( الإسلام ليس كلمات مجردة, بل دين وحياة وممارسة, وعندما يرفض الإسلام الاستعمار والظلم والتبعية والذل والإذلال, وعندما يرفض الإسلام (أمراً) إنما يطالبنا أن نناضل ضده لنجسد بذلك ما رفضه, وما أمر به الإسلام.). فالإسلام في هذا الطرح أصبح يمثل منهجاً فكريّاً وعقيديّاً يتطلب الأمر من البعثيين وغيرهم الإيمان به وتطبيق ما يدعوا إليه.. لقد أصبح ديناً وحياة وممارسة. وهذا يعني بكلمة أخرى بأن الإسلام وفقاً لتصور حافظ الأسد وبشار الأسد بعده, راح يُفهم عند الكثيرين بأنه بديل عن فكر حزب البعث أو (حاكميّة البعث), وخاصة القيم العلمانيّة الشكلية التي كان لا يومن بها أساساً من قبل البعثين في مراكز القيادة, وكان يعادي ضمنيا من يقول بها من البعثيين, ويحقق معه عندما يقول بأن حزب البعث علماني, (كما جرى مع مدير مدرسة الإعداد الحزبي في دير الزور من قبل رئيس مكتب الإعداد الفرعي.).
إن ما سنقوم بعرضه هنا من رؤى وآراء صادرة عن منابر المؤسسة الدينية الرسميّة في سورية, يؤكد لنا بأن سورية راحت تتحول شيئاً فشيئاً إلى قلعة للفكر السلفي, يروج له عبر 23 ألف جامع, و143 مدرسة شرعيّة, والعديد من المعاهد الدراسيّة العليا الدينيّة, وعبر مئات معاهد تحفيظ القرآن بعقليّة تقوم على تفسير وتأويل النص الديني بما يؤكد الفرقة الناجية. وبالتالي فإن ما سأقوم بعرضه هنا من رؤى وأفكار وردت على صفحات منبر هام من منابر هذا الفكر في سورية, وهو منبر مجلة (نهج الإسلام) الصادرة عن وزارة الأوقاف, سيؤكد لنا ما قلناه بحق انتشار هذا الفكر والتأسيس له بشكل ممنهج ليكون بديلاً عن فكر حزب البعث وكل فكر يدعوا إلى المحبة والعقلانيّة والتسامح, الذي لا يمكن لسورية في تعدد طوائفها ومذاهبها أن تعيش مستقرة بدونه.. حيث لا حياة في سورية دون علمانيّة وديمقراطية تحترم الآخر ورأيه وحقه في المشاركة بقيادة شؤون وطنه والعيش الكريم, أي لا حياة في سورية إلا بتحقيق الدولة المدنيّة التي أهم أسسها المواطنة والتشاركيّة, وأأكد هنا على العلمانيّة التي لا تعني الإلحاد أو إنكار الدين في حياة الفرد والمجتمع, وإنما هي في أبسط صورها بالنسبة لمسألة الدين فصله عن السياسة, فجوهر العلمانيّة هو الدين لله والوطن للجميع. فلا وصاية في الدين, ولا سيطرة لأحد على الآخرين بالشأن الدين.. (لست عليهم بمسيطر) (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ .).
التناغم مع الفكر الوهابي بين المؤسستين الدينيتين في السعودية وسورية:
في العدد (الثالث والعشرون – آذار 1986) من مجلة (نهج الإسلام) الرسميّة الصادرة عن وزارة الأوقاف السورية, ص48 وما بعد, هناك رسالة موجهة من الشيخ “محمد سعيد رمضان البوطي ” وبموافقة وزير الأوقاف “محمد الخطيب” إلى الشيخ “عبد العزيز الباز” الرئيس العام لإدارات البحوث العلميّة والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربيّة السعوديّة, يشكر فيها الباز على تكليفه لجنة من هيئة البحوث السعوديّة للاطلاع على كتابه (الإسلام ملاذ كل المجتمعات الإنسانيّة), وتبيان الملاحظات التي لا تتفق ووجه الإسلام الصحيح الذي يدافع عنه الباز وتياره, وهو التيار السلفي التكفيري كما هو معروف. وهذا مؤشر على العلاقة الوطيدة بين فكر البوطي والحركة الوهابيّة, وهذا ليس مستغربا, فالبوطي أشعري التوجه, والأشاعرة هم من أهل السنة والجماعة, وهم أهل الفرقة الناجية, وبالتالي هم والماتريديّة الأكثر قرباً من ابن حنبل الذي يرفض التعامل مع الرأي, أو الأخذ بالعقل. وقد بين أبو حسن الأشعري قربه من ابن حنبل وتبنيه لفكره كما جاء في كتابه مقالات الإسلاميين, والوهابيّة هم حنابلة العصر كما يوصفون. تسييس الخطاب الإسلامي في المؤسسة الدينيّة الرسمية ودعوته إلى العنف:
في مجلة “نهج الإسلام نفسها, وفي العدد /23/ السابق في الصفحة /52/, يكتب الشيخ “فتحي الدريني”, في مقال له عن : (البعد السياسي لمعجزة الإسراء والمعراج), قائلاً: ((إن هذا الحدث العظيم كان فتنة للناس بصريح النص القرآني وابتلاء لصدق من آمن لقوله تعالى: “وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس”, وهكذا يتبدى لنا البعد السياسي في تصفية القوم سياسيّاً, وتمييز مؤمنهم من كافرهم, أو ضعيف الإيمان منهم إذا ثبت أن بعض المؤمنين قد ارتد إثر بلوغه نبأ الإسراء والمعراج. وهذه التصفية السياسيّة الكاملة ضرورية جداً ليعلم المتخاذل من المبطل من المؤمن الصادق الذي يعتمد عليه في بناء الدولة ودفع الأخطار عنها, وتحمل الجهاد في سبيل تدعيم أركانها …وهكذا نرى أن الإسلام يربط الإيمان بالجهاد ربطاً محكماً, بحيث لا يتحقق إيمان صادق عميق راسخ دون أن تكون هناك عقيدة الجهاد جزءاً دينيّاً يستلزم هذا البعد السياسي بداهة في مثل قوله تعالى: ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله ويقتلون وعداً عليه حقاً.). هذه الفريضة كانت أولى مشاهدة معراج الرسول.)).
تكفير الفكر الوضعي في الخطاب الإسلامي الرسمي في سورية والدعوة إلى الحاكمية:
في العدد/ 24/ من مجلة “نهج الإسلام”, لعام 1986, وفي الصفحة /67/ يكتب الشيخ “عبد الرحمن عيسى” مقالاً بعنوان: (الفكر الإسلامي نحو نهج إلهي إنساني جامع), يقول: (وبعد فإن منطلق الفكر الإسلامي في فحوى آيات الله في القرآن المجيد, المفسرة لحقائق الوجود, وليس في تنطعات المفكرين في الغرب وخططهم الثقافيّة المبتورة والمجذومة, التي لم تفتح باسم الله ولم يوقع عليها رسول الله, فهي مردودة على ذويها لا لكونها باطلة أو غير صحيحة, بل لوجود الاستغناء عنها بكتاب الله المهين.. فإن إخفاق النظم الوضعيّة مؤشر على تقدم الإسلام ليؤدي دوره المرتقب والموعود وليشل فاعلية أهل الجحود, وليعطي البشريّة دفقة حب وتصفية وعطاء بعد ليل كالح.).
وأحب هنا أن أشير إلى مسألة على غاية من الأهمية وهي: إن معظم مشايخ السلطان في المؤسسة الدينيّة وعلى رأسهم الشيخ البوطي المعادي للقومية والعروبة والعلمانية, كانوا يعلنون في الظاهر ودهم ومحاباتهم لبشار الأسد والقيادة السياسيّة, بينما في السر وفي الدروس التي يعطونها لمريديهم كانوا ضدهم, حيث كانوا يحاربون العلمانيّة ويتهمونها بالكفر, ويشجعون على تبني الفكر السلفي ممثلاً بالفكر الوهابي والحنبلي وفكر ابن تيميّة, القائم على الفرقة الناجية ومحاربة المختلف. ونجد اليوم العديد من مقاطع الفيديو التي يحاول فيها بعض المشايخ تبرير مواقف البوطي من بشار الأسد وقبله حافظ الأسد, بأنه لم يكن موالياً لسياستهما وكان ينتقد هذه السياسة, وأنا أأيدهم برويتهم هذه اتجاه البوطي بشكل خاص, (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
ماذا تبقى لنا أن نقول أمام معطيات هذا الفكر السلفي الإقصائي الذي راح يفرض نفسه في السر والعلن في سورية, بتوجهات ورغبة حافظ الأسد وابنه بشار, ونتيجة ترسيخ هذا الفكر في عقليّة شباب سوريّة الذين تربوا على فكر مشايخ السلطان وفي جوامع القطر ذاته, كان ما سمي بالربيع العربي, الذي كان من أبرز ملامح نشاطها الذي بشر به الخطاب الإسلامي الأشعري السلفي, هو الوقوف ضد حزب البعث وحافظ الأسد وابنه بشار الأسد, ولتقاتل لمدّة أربعة عشر عاماً من أجل إسقاط نظام قاده آل الأسد وحاشيته الفاسدة, ولا أقول حزب البعث, ليس دفاعاً عن البعث الذي غيب دوره الحقيقي منذ قيام الحركة التصحيحيّة, وبقي فاعلا باسمه كل من صفق وهوس ودجل لآل الأسد, أما الشرفاء منه فقد أقصوا بالضرورة إما من قبل رجالات الأسد الفاسدين داخل الحزب, أو فضلوا الابتعاد عنه بأنفسهم حتى لا يلوثوا.
على العموم أقول في نهاية هذه الدراسة:
الدين عقيدة وأخلاق (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق), وكل من يحاول توظيفه لمصالح أنانيّة ضيقة سيدفع الثمن غاليا. وفي المجتمعات المتعدّدة الطوائف والمذاهب والفرق لا يحكم بالدين, وإنما يحكم بالعقل والمنطق والتشاركيّة واحترام المختلف. إن الذين يدعونا إلى بناء مجتمع ودولة باسم الحاكميّة لله هم لا يدكون بأن الزمن يتغير ويتبدل, ومن لا يتفق مع حركة الزمن سيعاند الزمن, ومن يعاند الزمن سيقتله الزمن أو سيموت كما مات أهل الكهف. إن الدين صالح لكل زمان ومكان عندما نأخذ بمقاصده ونعمل التي تراعي خصوصيات الزمان والمكان, لا وفق رؤى ومواقف وتشريعات أطلقت في زمنن غير زماننا, وعلى هذا الأساس خلق الإنسان خليفة على الأرض لإعمارها, ومن يريد إعمار الأرض عليه أن يرضى بدور العقل وحرية الإنسان وإرادته ومصالحه, (أمور دنياكم أنتم أدرى بها). الدين ليس لكسب الآخرة بكل مغرياتها فحسب, الدين جاء للدنيا في أساسه, والأخرة تأتي لجزاء الإنسان بما عمل بدنياه خيراً أم شراً فمن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها. لذلك إن كان هناك عقاب أو ثواب في هذه الدينا, فإن من يفرضها هو القانون الذي يختاره الناس وفقاً لمصالحهم, (ولكم في الحياة قصاص يا ألي الألباب.). مع عدم تجاوز شريعة الله بما نصت عليه من جزاءات في الحياة الدنيا كالزنا وشرب الخمر وغير ذلك من معاص ممن ورد فيها نص, ويبقى الله عز وجل هو من يحدد الصالح من الطالح يوم القيامة. نحن كبشر ليس من حقنا أن نكفر الآخرين ونجبرهم على ترك دينهم او تغييره (فاختلاف أمتي رحمة).
ختاما أقول: لنترك الماضي ونلتفت إلى الحاضر بكل مشاكله فلكل أمّة واقها وظروف حياتها (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ.). كلنا نصيب ونخطئ, فنحن بشر من لحم ودم, والتوبة عند المخطئين هي العودة إلى الوطن والعمل على بنائه وتطويره وتنميته والنهوض به من كبوات التخلف, لنشاهد اليوم ما يدعوا إليه قادة المرحلة الجديدة في سورية, فهم متدينون سلفيون ولكنهم سخروا كل جهودهم من أجل بناء الوطن المتهالك. أي نظروا إلى العمل في الدينا كي يكسبوا الآخرة, فالدنيا وإعمارها أولاً, والآخرة هي لمن كان أحسن عملاً في دنياه, وإعمار الدنيا لا يتم دون احترام المختلف والتشارك معه في بناء الدولة والمجتمع.
ملاحظة: لقد اشتغل حافظ الأسد وابنه دينياً على المستوى المدني في الحزب والمجتمع, ولكنهما كانا يحاصرا من يصلي أو يتحدث بالدين من السنة خاصة على مستوى الجيش. فالجيش خط أحمر بالنسبة إليهما لا يسمح للدين أن ينشط في بنيته. وهذا ما أدى إلى انشقاق أكثر من 6000 ضابط وصف ضابط ومجند من الجيش بسبب هيمنة النزعة الطائفيّة في تنظيمه.
*كاتب وباحث من سوريّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهومش:
15- العروبة والإسلام وحدة القيم, ومسيرة التكامل). سلسلة الثقافة الحزبية والعامة رقم /3/.
اقرأ الحلقات السابقة: