حزب الله بين نصرة غزة وخطيئة التدخل في سوريا

فرج شلهوب

السياسي – كثر اللغط في الآونة الأخيرة، واستطال الكلام والجدل في وصف حزب الله ونصرته لغزة، في بعض الأوساط، خلفيات الجدل والنقاش متباينة، والغايات والبواعث أيضا متباينة.
استحضر البعض مشاركة الحزب في القتال في سوريا، وأنه ولغ في دماء السوريين وانتهاك أعراضهم، وذهب آخرون يفتون ويستنطقون النصوص الشرعية، أن الابتهاج والفرحة بما يصيب أفراد الحزب من قتل، وديارهم من تدمير، أمر طبيعي، وأن الحزب لو حرر الأقصى وفلسطين فلن يغسله هذا من خطاياه، ولا أخرجه من ضلاله وفجوره!
فيما عمد فريق ثالث الى مد اللسان والاستهزاء من قتال الحزب، والسخرية من امينه العام وسب رموزه، وتسفيه ما يعلنه من مواقف. فالحزب هو الشيطان ورجمه الان، هو أوجب واجبات الدين، ولا تستقيم عقيدة إلا بفعل هذا!
الجدل والصخب ليس بريئا في جله، وإن كان في بعضه تعبير عن سياق غريزي، لا ينضبط بعقل ولا تقدير مصلحة.
ولعل النظر في التوقيت، وثانيا في الاستغراق في العداء مع الحزب على حساب القضية الأوجب، قضية نصرة المقهورين في غزة، يعطي صورة عما وراء الكلمات، عند كل فريق من المتجادلين.
بمعنى أن الوقت لو كان غير الوقت، التي تباد فيه غزة وتطحن فيه قضية الفلسطينيين، أو لو كان الأمر مجرد توضيح، ثم يذهب المجادلون للقيام بواجباتهم تجاه القضية التي تمثل واجب الوقت، لكان الأمر يدخل في دائرة الاحتمال، وتباين الاجتهادات.
والسؤال الأهم بعد ذلك وقبله، هل القضية المعروضة اليوم، والتي تأخذ الأولوية في النقاش والاعتبار، هي تقييم أداء الحزب في سوريا، إشادة أو إدانه، أم هي نقاش عقائده ما إذا كانت فاسدة أو على صراط مستقيم؟
يا سادة القضية موضع الحضور الآن، والتي ينبغي عدم تجاوزها، أو القفز من فوقها في هذا النقاش هي هل نصرة وإسناد حزب الله لفلسطين وغزة اليوم، في ظل حالة التآمر والخذلان الطافح، عربيا وإسلاميا، موضع إدانة أم تقدير؟
بالطبع إسناد ونصرة ليس بإعلان موقف لفظي، أو بالأهازيج، بل بالدم وتعريض الديار للدمار، في مواجهة أعتى قوى الشر في العالم.
هذه المسألة الحاضرة اليوم، وليس نقاش عقيدة الحزب تزكية أو فسادا، وليس نقاش موقفه من الحرب في سوريا، مدحا أو قدحا، فهذه قضية وتلك قضية اخرى، وتزكية الحزب في هذه لا يوجب تزكيته في تلك أبدا، وكل قضية تأخذ الأولوية في وقت حضورها، وعند حضور وقتها، وهنا تأخذ نقاشها في سياقها العام والخاص. أما خلط الأمور وشن الحروب من منصات الأعداء المحاربين، أو بما يحقق غايتهم ويدخل السرور إلى قلوبهم، فهذه رداءة في التقدير، وضحالة في التفكير، إن لم تكن شيئا آخر عند البعض، والبعض الكثير.
وإذا كان ربنا كتب الحسنى والأجر، لكل موطئ قدم يغاظ به الأعداء، فبالمثل، فإن الإثم والعقاب، عاقبة مواطئ الاقدام التي تدخل الحبور والسرور لقلوبهم.
هذا في مطلق الأعمال، صغيرها وكبيرها، فكيف إذا كان الأمر في معرض حرب استئصال واجتثاث، لمؤمنين يقاتلون في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس اجتمعت عليهم قوى الشر والطغيان؟ ما لكم كيف تحكمون!
لنرفع الحيف والضيم والقتل والإبادة عن غزة اليوم، وليذهب من يشاء في غد أو بعد غد، إلى حيث يشاء، من نقاش وجدل.
ولنتساءل بالمثل، لو نهضت روسيا أو الصين أو فنزويلا أو هندوراس، لإسناد غزة وفلسطين فيما تتعرض له من حرب إبادة، هل نرفع عقائرنا بالثناء على فعلهم هذا، أم ننبش في مواقفهم السابقة وتاريخهم وعقائدهم، وما يمكن أن يكونوا فعلوه ضد نفر من أبناء الأمة، ضمن سياق طويل من صراعات كونية، لا تتوقف على مدار الوقت واتساع المكان؟

الثناء والتقدير هنا على موقف محدد، وواضح الأبعاد، مكانا وزمانا ومضمونا؛ موقف انتصار لحق ورفع مظلمة عن شعب يباد، خذله الأقربون والأبعدون،  وكلما تعاظم الموقف المتخذ، تعاظم الثناء والتقدير للفاعل، على الفعل المحدد والمقدر، وهذا لا علاقة له البته بتزكية كل فعل للفاعل، أو تزكية عقيدته أو فكره أو إثنيته أو جنسه، فالمسألتان مختلفتان ومتباينتان.

لينتهِ الجدل، وليفطن كل أحد لواجباته تجاه ما يجري من حرب إبادة، لا تقف تداعياتها عند حدود فلسطين، بل تمس عموم الإقليم العربي والإسلامي، وربما أسهمت في رسم مسار المنطقة وتحديد مستقبلها لعقود قادمة.
ولنتذكر أنه عندما انخرط حزب الله في القتال في سوريا، كانت حماس من أعلى الناس صوتا في إدانة هذا الانخراط، وغامرت بكل علاقاتها مع الحزب والحكومة السورية وإيران، وهم أكبر داعميها ومناصريها في الإقليم، وخاضت حرب 2014 لوحدها بدون سند ولا ظهير، ولم تلتفت للوراء، مع أن الحرب في سوريا دخلت على خطها، قوى شريرة طاغية استثمرت في دم السوريين وقضيتهم، لغايات تدمير سوريا الدولة والكيان وإخراجها من دائرة الصراع، وإشغالها بنفسها خمسين عاما قادمة.
لنتعظ ونقرأ المشهد من زاوية أوسع، وبفهم يسمح لنا بأن ندافع عن أنفسنا وأن لا نخسر قضايانا الواحدة تلو الأخرى.

شاهد أيضاً