حزب الله والتحدي الوجودي

زياد ابحيص

يروج الاحتلال بأن ضرباته المتتالية كانت “حاسمة”، وأنها تمكنت من “إنهاء الهيكل التنظيمي القيادي” لحزب الله، وأنها تمكنت من “ضرب معظم مخزونه من الصواريخ الدقيقة وبعيدة المدى” في مواقع تخزينها ومنصاتها، وبأن قدرات حزب الله البرية قد تراجعت إلى حد يجعل الاحتلال هو من يلوح بعملية برية، ولا شك أن مثل هذه التصريحات مليئة بالادعاء المعهود عن نتنياهو كشخص وعن الجيش في هذه الحرب تحديداً مبالغ فيها، ولا شك بالمقابل أن الضربات كانت متتالية وموجعة لأية بنية تنظيمية، وأنها تفتح تساؤلات عن اختراق واسع وعن أخطاء متكررة تسمح للاحتلال بجباية ثمن عجز عن جبايته من حزب الله طوال 42 عاماً، ولا شك أن قادة الحزب وكوادره هم أكثر المعنيين بالاستجابة لهذا التحدي الوجودي اليوم، فالاحتلال ليس آتياً هذه المرة لإحراز النقاط بل ليخوض حرب تصفية يظن أن ضرباته المتتالية مهدت الأرضية لها.

 

ومع هذا التحدي الوجودي الذي لا يستهان به لا بد أيضاً من البناء على ما تقدم في إدراك مقومات قوة حزب الله، حتى لا نقع تحت سطوة الخطاب الدعائي الصهيوني أو خطاب التشفي المدفوع بالثأر:

 

أولاً: حزب الله تنظيم واسع عريض له أذرع مدنية وسياسية وعسكرية، له مؤسسات تعليمية وشبابية وكشفية وصحية كما أن له جهازاً سياسياً وقوات عسكرية، وإذا كانت مصادر الاحتلال تقدر قوته العسكرية بنحو ستين ألفاً فإن الحجم الإجمالي لكادره يفوق ذلك بمراحل وهذا معلوم لكل المطلعين على الشأن اللبناني، وإمكانية زوال هذه البنية من الوجود بضربات فجائية متعذرة وإن كانت قابلة للإضعاف.

 

ثانياً: لحزب الله تجربة تاريخية ممتدة طوال 42، وكما أنه حالة إنسانية قد تسري عليها ظواهر الشيخوخة أو الترهل التي إن سادت تضعف إمكانية الاستجابة لتحدٍّ وجودي، فإن هذه التجربة من الممكن أيضاً أن تراكم خبرة وثقة، وهو ما قد يزيد من فرص استجابته للتحدي الوجودي.

 

ثالثاً: يرتكز حزب الله إلى بيئة بشرية عريضة من جمهوره قوامها مئات الآلاف على الأقل في لبنان، وعمقها الجغرافي يمتد من الضاحية الجنوبية إلى جنوب لبنان، وعلى امتداد البقاع اللبناني، ولا يقف في هذا منفرداً بل تؤازره فيه قوى لبنانية وفلسطينية مثل حركة أمل والجماعة الإسلامية وسرايا القدس وكتائب القسام في لبنان وسائر فصائل المــقـاومة الفلسطينية، وهو ما يزيد من عمق حاضنته وتكاتفها وإمكاناتها، ولذلك بدأ الاحتلال يوزع صواريخ الاغتيال على تلك القوى كذلك.

 

رابعاً: يرتكز حزب الله إلى إرث أيديولوجي عقائدي، قد تختلف معه فيه الأكثرية السنية للأمة إلا أن هذا لا يعني أنه ليس إرثاً عقائدياً متماسكاً، وهو الإرث الذي قاد كوادره وجمهوره إلى التصالح مع الفقد والإقبال على الشهادة والصبر في مختلف المحطات والمراحل، وكأي إرث عقائدي فإن ظواهر تفشي النفعية والاسترزاق تشكل عبئاً عليه إن تفشت؛ لكن لا شك أن التمساك به والعودة إليه كانت كفيلة باستحضار عناصر إرادة ماضية وقوة متنامية على مدى أربعين عاماً مضت.

 

خامساً: تحالف حزب الله مع إيران حالة عضوية، تجعل أمينه العام وكيلاً للولي الفقيه الخامنئي في لبنان، وعلى هذا الأساس تمكن الحزب من توسيع إمكاناته المالية والبشرية والتسليحية، وهي ليست حالة تقاطع مصالح عابرة، وقد أسست إيران هذا التحالف بعد الحرب العراقية-الإيرانية لتضمن أن الحرب لن تعود إلى إقليمها المباشر، وأن استراتيجيتها الدفاعية تبدأ في مواقع متقدمة بآلاف الأميال، إضافة إلى اعتبارات مذهبية وأيديولوجية، وهو ما يجعل الحزب كحركة دون الدولة تتمتع بدعم سياسي من دولتين: دولة حاضنة هي الدولة اللبنانية، ودولة داعمة هي إيران، وهي ميزة قلما تحظى بها حركة سياسية، رغم أنها معرضة للتقلبات.

في المحصلة يواجه حزب الله تحدياً وجودياً، لكنه يمتلك عناصر قوة كبيرة تسمح له باستعادة التماسك والاستجابة لهذا التحدي إذا ما وجدت الإرادة واستعادة التمسك بالإرث العقائدي الأيديولوجي.

شاهد أيضاً