مرت الذكرى الأولى لعملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر من العام الماضي 2023، وفتح هذا الحدث أبواب جهنم على قطاع غزة، فشنت إسرائيل حربا شعواء على أبناء القطاع ودمرته بالكامل، كما هجرت الأهالي إلى مناطق الإيواء بذريعة دك أوكار حماس وتتبع عناصرها المختبئين وسط المدنيين. ورغم ما سببته هذه الحرب من خسائر بشرية كبيرة، إلا أنها لم تتوقف، وكان أكثر ما زاد من وهيجها اشتعالا هو دخول “حزب الله” اللبناني على جبهة المعركة، كجهة إسناد لحركة حماس، مما يثير مخاوف متزايدة من انزلاق لبنان نحو مصير مشابه لقطاع غزة، وخاصة بعد إصرار حزب الله على مواصلة حرب الإسناد وربط مصير لبنان بغزة.
كان على قرار دخول حزب الله في طوفان الأقصى تحت عنوان “إسناد جبهة غزة”، أن يراعي المرحلة الدقيقة التي يعيشها لبنان وتأثير الحرب على بنية الحزب الضعيفة، وكذلك ما تمر به البلاد من أزمات اقتصادية وسياسية. فهو يحتاج إلى تعديل أو تصحيح مسار وإعادة البلاد إلى خارطة الإصلاحات التي تبدأ من السياسة والاقتصاد وتنتهي برضا المواطن في العيش في مجتمع آمن يكفل له الأمن والأمان ومقومات الحياة البسيطة كأي مواطن آخر في العالم.
لكن جاء قرار “نصر الله” بإقحام نفسه في حرب لن يستفيد منها لبنان، دون استشارة الحكومة أو اللبنانيين، بل المكتسب الوحيد منها هو حزب الله نفسه، الذي ناصر حركة حماس، وكان أقوى الداعمين لها حتى يضع نفسه في بؤرة الضوء على حساب المدنيين الذين يموتون برصاص الاحتلال في المناطق التي يسيطر عليها الحزب داخل البلاد. وتسبب في تفاقم الوضع الأمني والاقتصادي المتردي بالفعل في لبنان، ليضع البلاد في أزمات لا تنتهي ويعمق من جراحه التي لا تلتئم، في ظل غياب الحياة السياسية وسلطات تشريعية محكمة. فليس هناك سوى حزب الله يصول ويجول بلا رادع ويتحكم في مستقبل الدولة دون أي حقوق للبنانيين، حتى أقحمهم في حرب مباشرة مع إسرائيل رغم ما يتكبده الاقتصاد من خسائر وأزمات متتالية.
وأضرت تداعيات صراع حزب الله مع إسرائيل بالاقتصاد اللبناني المتعثر بعد سنوات من الأزمة والشلل السياسي، ما تسبب في انخفاض عائدات السياحة، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية، وتعطيل الصادرات الزراعية اللبنانية، حتى الاحتياطي الأجنبي والناتج المحلي الإجمالي تكبدا خسائر فادحة هما الآخران.
وكانت الأضرار الجانبية الناجمة عن الغارات الجوية الإسرائيلية، خاصة تلك التي ضربت مناطق مدنية مكتظة، وهجمات البيجر في 17 – 18 سبتمبر، التي أسفرت عن مقتل 32 شخصا على الأقل، سببا في زيادة الضغط على نظام الرعاية الصحية الهش في لبنان، من خلال إغراق المستشفيات بالمصابين. كما تعرضت موارد الدولة المحدودة للمزيد من الضغوط بسبب تزايد عدد المواطنين اللبنانيين النازحين داخليا (ما يقدر بنحو مليون شخص) إضافة إلى عدد اللاجئين السوريين الكبير الذين يستضيفهم لبنان منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية.
وقد عاقبت إسرائيل حزب الله على فتح جبهة ضدها في 8 أكتوبر 2023 بقتل معظم قادته السياسيين والعسكريين، بمن فيهم حسن نصرالله، زعيم الحزب الأعلى. كما دمرت مقرات الحزب بالكامل، واخترقت بنيته بشكل غير مسبوق، وأخلت الكثير من مناطق جنوب لبنان وضواحي بيروت الجنوبية، حيث توجد قاعدة الدعم الرئيسية للحزب. ولم تشهد تاريخيا القاعدة الشعبية لحزب الله هذا القدر من الهلع وعدم اليقين بشأن مستقبله. وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي أكد أن ضرباته كانت موجهة ضد أهداف حزب الله، إلا أنه هاجم مناطق سكنية مكتظة بالسكان في لبنان، وأوقع إصابات وأضرارا بين المدنيين، ونفذ عمليات تدمير ممنهجة للقرى الحدودية والبنى التحتية الحيوية.
وواقعيا، دخل لبنان هذه المرحلة الصعبة وزاد أمد الصراع واتسع نطاقه وقد يتحول إلى حرب شاملة تأكل من حولها، وتؤدي إلى تجويع الشعب اللبناني، وتدمير الاقتصاد تماما دون وجود أي آفاق لإعادة التوازن للبلاد من جديد، إلا بأن ينتفض الشعب اللبناني ضد حزب الله حتى يرفع يده عن لبنان، أو أن يغير مساره بشكل جذري. لكن لا يوجد في تاريخ حزب الله أو فلسفته ما يشير إلى ذلك. فالمسار الذي اختاره الحزب قد قاده نحو تدميره الذاتي تماما بسبب رفضه الاعتراف بالحقائق الأساسية.
وإذا افترضنا أن تحول حزب الله إلى كيان سياسي بحت، مع دمج قواته بالكامل في الجيش اللبناني، سيؤدي فجأة إلى وقف التهديدات الإسرائيلية هو قول غير واقعي. ومع ذلك، فإن لبنان بذلك سيكون دائما في وضع أقوى للدفاع عن نفسه وحماية سيادته إذا تحدث بصوت واحد. ويكون أقوى صمام أمان للحزب وداعميه هو الاحتضان الجماعي من الشعب اللبناني. ولكن لكسب هذا الاحتضان، يجب على الحزب أولا أن يتخلى عن سلاحه ويتحول إلى شريك في إعادة إعمار لبنان، على قدم المساواة مع الأطراف اللبنانية الأخرى.