حشد: مشروع “قوة الاستقرار الدولية” الأمريكي يحتاج لضمان انسجامه مع القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني

تعرب الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) عن قلقها العميق إزاء ما أعلنته البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، وما نقلته مصادر دبلوماسية وإعلامية، بشأن تقديم الولايات المتحدة مشروع قرار رسمي إلى مجلس الأمن الدولي لدعم ما يسمى بـ”خطة دونالد ترامب للسلام في قطاع غزة”، والتي تتضمن إنشاء “مجلس السلام في غزة” وتفويض “قوة استقرار دولية (ISF)” حتى نهاية عام 2027، تتولى مهامًا أمنية وإدارية واسعة تشمل نزع سلاح فصائل المقاومة، وضبط الحدود بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، وتدريب الأجهزة الأمنية، وإدارة المساعدات والإعمار عبر صندوق دولي يشرف عليه البنك الدولي.

وترى الهيئة أن المشروع، بصيغته الحالية، يتضمن نصوصًا تُكرّس دور الاحتلال الإسرائيلي في المجالين الأمني والإداري، وتُهمِّش التمثيل الوطني الفلسطيني، وتتعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها ملفًا إنسانيًا وأمنيًا لا قضية تحرر وحقوق، بما يحوّل غزة إلى كيان يخضع لوصاية دولية طويلة الأمد، ويُعيد إنتاج خطة ترامب بصيغة معدّلة تخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وتتناقض مع مبادئ العدالة وأحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، خصوصًا تلك التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإنهاء الاحتلال.

الهيئة الدولية( حشد ) بأن الفرق الجوهري بين “قوة الحماية الدولية” المطلوبة فلسطينيًا و”قوة الاستقرار الدولية” المقترحة أمريكيًا يتمثل في طبيعة المرجعية والولاية القانونية ، فقوة الحماية الدولية: تُنشأ بتفويض أممي صريح بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتعمل حصراً تحت إشراف الأمم المتحدة، وهدفها حماية المدنيين، وضمان إدخال المساعدات الإنسانية، ومراقبة وقف إطلاق النار، ومساءلة الاحتلال على جرائمه، في إطار إنهاء الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم.
فيما قوة الاستقرار الدولية المقترحة في مشروع القرار الامريكي تهدف الي تجاوز الإطار الأممي المستقل، وتمنح الاحتلال والإدارة الأمريكية صلاحيات تنفيذية وأمنية مباشرة، ما يجعلها أداة لإدارة القطاع بدل حمايته، ووسيلة لتكريس السيطرة الإسرائيلية بدل إنهائها، بما ينطوي على خطر تحويل غزة إلى منطقة وصاية دولية مقنّعة، كما ان ربط تفويض القوة الدولية بمقاصدٍ تهدف إلى فرض تفكيك المشهد السياسي ونزع السلاح بالقوة، بما يفضي إلى تصعيد دامي بدلا من علاج ذلك ضمن تسوية وطنية شاملة توافقية، وفي إطار حل سياسي يحترم حق الشعب الفلسطيني، اضافة الى عدم قانونية تحويل شروط الإعمار أو استمرار الهدنة إلى آلية ابتزاز لتصفية الحقوق الفلسطينية او تجاوز مهام وعمل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

الهيئة الدولية (حشد ) تحذر من أن منح “قوة إنفاذ دولية” هذه الصلاحيات الواسعة قد يؤدي إلى اعادة إنتاج الاحتلال بغطاء دولي تحت شعار “الاستقرار”، مع استمرار تحكم الاحتلال بالمعابر والمساعدات والأمن، اضافة الى اضعاف مؤسسات الحكم الوطني الفلسطيني، وإقصاء منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية من أي دور فاعل في صنع القرار، عدا عن تقوّض فرص إقامة الدولة الفلسطينية الموحدة، واذ تحذر من تحويل المساعدات والدعم الدولي إلى أداة ضغط وابتزاز سياسي بدل أن تكون أداة إنسانية لتعزيز الصمود والتعافي واعادة الاعمار، كما أن غياب وضوح المرجعية القانونية والفترة الزمنية وآليات المساءلة يعيد إلى الأذهان إخفاقات تجارب دولية مشابهة في مناطق نزاع أخرى، حيث تحولت بعض قوات “الاستقرار” إلى أدوات نفوذ لا أدوات حماية.

الهيئة الدولية (حشد ) تشير إلى أن التفاعل الفلسطيني والعربي والإقليمي والدولي مع المشروع يعكس قلقًا مشروعًا من الفراغ الأمني والإنساني في غزة بعد العدوان ومن الخشية من عودة العدوان الإسرائيلي، غير أن هذا القلق يجب ألا يتحول إلى مبرر لتمرير مشروع لا ينسجم مع القانون الدولي أو يكرّس الوصاية الدولية، فالتجارب السابقة أكدت أن أي استقرار حقيقي لا يمكن تحقيقه دون احترام القانون الدولي وإنهاء الاحتلال ومحاسبته.

الهيئة الدولية (حشد) تري أن أي مقاربة لتحقيق الاستقرار في فلسطين لا يمكن أن تكون قابلة للحياة دون إنهاء الاحتلال، ومحاسبة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية، واحترام المرجعية الأممية لحقوق الشعب الفلسطيني، واذ تجدد دعوتها للقيادة الفلسطينية والقوى الوطنية إلى بلورة موقف موحد إزاء هذه التطورات والاتفاق علي رؤية للمرحلة الانتقالية ، وتفعيل المسار الدبلوماسي والقانوني لحماية حقوق الشعب الفلسطيني، وضمان وحدة القرار وإعادة بناء وتفعيل مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني علي اسس ديمقراطية،

الهيئة الدولية (حشد ) وبناء علي ما سبق تدعو مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والدول الأعضاء إلى العمل من اجل إعادة صياغة المشروع الأمريكي بما ينسجم مع قواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وبما يضمن ما يلي:
1. أن يكون أي تفويض للقوة الدولية تفويضًا أمميًا واضحًا ومحددًا بموجب الفصل السابع، يهدف إلى حماية المدنيين، ومراقبة وقف إطلاق النار، وضمان إدخال المساعدات وتسريع إعادة الإعمار، وليس لإدارة غزة أو فرض وصاية سياسية عليها، مع تحميل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية القانونية الكاملة عن الدمار والجرائم المرتكبة وإلزامه بتحمل التزاماته بموجب القانون الدولي الإنساني، دون منحه أي دور إشرافي أو أمني في غزة.

2. فصل المسار الإنساني والإغاثي والإعماري عن الشروط الأمنية والسياسية، وضمان ألا تُستخدم المساعدات والإعمار كأدوات ضغط أو ابتزاز، مع تأكيد المشاركة الفلسطينية الكاملة في أي ترتيبات مدنية أو إدارية، وإعطاء الأولوية لوقف إطلاق النار، ورفع الحصار الشامل، وضمان انسحاب قوات الاحتلال وعودة الحياة المدنية الطبيعية.

3. التأكيد على أن أي وجود دولي يجب أن يكون في سياق توفير الحماية الدولية للفلسطينيين وضمان العدالة لفترة مؤقتة وفي سياق إنهاء الاحتلال، وأن يكون هدفه تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حق تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.