في مذكرة إحاطة عاجلة، حذرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد” من المخاطر الجسيمة والتداعيات الإنسانية والقانونية المترتبة على الخطة الأميركية – الإسرائيلية لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، مؤكدة أن هذه الخطة ليست سوى أداة جديدة لاستمرار جريمة الإبادة الجماعية والتهجير القسري الممنهج بحق الفلسطينيين. وقد وجّهت الهيئة هذه المذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة، ورئيس مجلس حقوق الإنسان، والمفوضة السامية لحقوق الإنسان، والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، والمقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بهدف وضعهم في صورة ما يجري من انتهاكات خطيرة، والمطالبة بتحرك عاجل لضمان المساءلة والامتثال للقانون الدولي الإنساني.
أكدت الهيئة في مستهل المذكرة أن قطاع غزة يشهد واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث، وذلك رغم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين حركة حماس وسلطات الاحتلال الإسرائيلي في يناير 2025، والذي تضمّن التزامات واضحة بفتح المعابر وإدخال المساعدات، بما في ذلك الكرفانات وبدء الإعمار. إلا أن الاحتلال الإسرائيلي أخلّ بهذا الاتفاق بشكل سافر، ومنع دخول الغذاء والمساعدات الطبية والمأوى، ورفض التفاوض على المرحلة الثانية من الاتفاق، بل وأغلق معابر غزة منذ 2 مارس 2025، لمدة 80 يوماً متواصلة، ما عمّق الأزمة الإنسانية وانتشار المجاعة والأمراض. ثم استأنف عدوانه في 18 مارس 2025، ما أدى إلى استشهاد 3,822 مواطناً، وإصابة 10,925 آخرين، وتهجير قسري واسع، وسط سيطرة إسرائيلية على 70% من القطاع، في محاولة ممنهجة لإعادة إنتاج نكبة جديدة.
وركّزت المذكرة على أن غزة تتعرض منذ السابع من أكتوبر 2023 لحرب إبادة شاملة استهدفت كل جوانب الحياة، حيث تم قصف الأحياء السكنية والمستشفيات ومراكز الإيواء بشكل ممنهج، وحُرقت أجساد الأطفال والنساء، ودُمرت البنية التحتية بالكامل، وسط حرمان السكان من الغذاء والماء.
وقدرت الهيئة عدد الشهداء حتى الآن بـ65,000، بينهم 18,000 طفل و13,000 امرأة، إلى جانب 14,000 مفقود تحت الأنقاض، وقرابة 40,000 طفل يتيم. كما اتهمت إسرائيل باستخدام التجويع والعطش كسلاح حرب، من خلال منع دخول المساعدات لأكثر من 81 يوماً، وقصف 29 مطبخاً خيرياً و38 مركز توزيع غذاء، وتدمير 719 بئراً للمياه. وأدى ذلك لاستشهاد 58 شخصاً على الأقل من الجوع والعطش، أكثرهم من الأطفال. فيما أكدت اليونيسف أن 10,000 رضيع بحاجة عاجلة للتغذية، ووفقاً لتصنيف الأمن الغذائي (IPC) فإن غزة دخلت المرحلة الخامسة من المجاعة، حيث يتهدد الموت أكثر من 71,000 طفل و17,000 أم.
كما أشارت المذكرة إلى أن سلطات الاحتلال أغلقت معبر كرم أبو سالم ودمّرت معبر رفح، مانعة دخول 44,000 شاحنة مساعدات، رغم أن غزة تحتاج يومياً لأكثر من 500 شاحنة و50 شاحنة وقود. ولم تسمح إسرائيل سوى بدخول 1% من هذه الاحتياجات في يوم واحد.
ووثّقت الهيئة تهجير نحو مليوني فلسطيني قسراً من شمال القطاع إلى الجنوب، مع استهداف مباشر لمراكز الإيواء والخيام، وحرمان النازحين من أبسط مقومات الحياة. كما تحدثت عن تدمير غير مسبوق للبنية التحتية، حيث دمرت إسرائيل 88% من المنازل والمنشآت المدنية، بالإضافة إلى 655,000 متر من شبكات الصرف الصحي، و330,000 متر من شبكات المياه، وأكثر من 2,835,000 متر من الطرق، إلى جانب المدارس والمستشفيات.
وفي ظل هذا الدمار، برزت – بحسب المذكرة – خطة جديدة تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل تحت عنوان “المساعدات الإنسانية”، لكنها في الحقيقة تهدف إلى تهجير السكان قسراً تحت غطاء العمل الإنساني. وتم تأسيس شركة في جنيف باسم “منظمة إغاثة غزة”، كبديل عن المنظمات الدولية، وتدّعي أنها تمنع وصول المساعدات لحماس، دون دليل واضح، بينما تسعى في الواقع إلى التربح وجمع التبرعات لتوزيع مساعدات محدودة بالسعرات الحرارية فقط، من خلال 4 مراكز في القطاع. يتمركز 3 منها في رفح قرب محور ميراج بهدف نقل السكان من وسط وجنوب القطاع، والرابع قرب محور نيتساريم لنقل سكان الشمال إلى الوسط والجنوب، ما يكرّس التهجير الجغرافي وإعادة رسم الخارطة السكانية.
ولفتت “حشد” إلى أن الخطة ترتبط بما يُعرف بعربات “جدعون”، التي أقرتها إسرائيل في 4 مايو 2025، للسيطرة على حركة السكان عبر مناطق عازلة ومخيمات تخضع لرقابة عسكرية، مقابل تقديم المساعدات فقط داخل “منطقة إنسانية” جنوب القطاع.
كما كشفت الهيئة أن هذه الخطة وُضعت عبر اجتماعات سرية ضمن منتدى “مكفيه يسرائيل”، وضمت مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، حيث تم الاتفاق على تكليف شركات خاصة، بعيداً عن إشراف الأمم المتحدة. وتم إنشاء كيان باسم “مؤسسة غزة الإنسانية”، بتمويل غير مباشر من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتديره شخصيات أمنية، أبرزها شركة Blackwater سيئة السمعة، في تكرار لنهجها الدموي في العراق.
وشملت قائمة الشركات المتورطة “Safe Reach Solutions” بقيادة ضابط CIA السابق فيليب رايلي، و”Blackwater (Constellis)”، و”Kogan Group”، وهي شركة استخباراتية إسرائيلية يديرها الضابط السابق في الجيش “ران كوغان”، ولعبت دوراً مباشراً في السيطرة على مخيمات غزة وتأمين المخازن والمراكز اللوجستية.
المذكرة شدّدت على أن الخطة تنطوي على مخاطر كارثية، أولها تقنين التهجير القسري عبر ربط المساعدات بالمكوث في مناطق محددة وفق شروط أمنية، ما يشكل ابتزازاً إنسانياً يهدف إلى تفريغ غزة من سكانها. كما تسعى لتهميش الأمم المتحدة ووكالة الأونروا، وتحويل الإغاثة إلى أداة سياسية تديرها شركات ذات سجل حقوقي أسود.
كما أن الخطة تهدف – بحسب المذكرة – إلى شرعنة الاحتلال من خلال مخيمات شبه دائمة تُدار من شركات خاصة، مما يعني إدارة مدنية غير مباشرة، في حين أن اتفاقيات جنيف تُلزم الاحتلال نفسه بتوفير احتياجات السكان لا خصخصتها.
وأبرزت “حشد” أن هذه الخطة تُحوّل مراكز التوزيع إلى نقاط تفتيش أمنية، تُشترط فيها بيانات بيومترية مثل بصمة العين والوجه، وتمنع التوكيل أو التمثيل، مما يسهّل الاعتقالات والاستهداف الأمني للنازحين، لا سيما عائلات الشهداء.
وتهدف الخطة أيضاً إلى تقسيم القطاع جغرافياً من جديد، عبر الإبادة المنهجية في الشمال، والسيطرة على 70% من مساحة غزة، بما يخالف اتفاقية لاهاي وميثاق روما. كما تعتمد سياسة التمييز والتجويع الجماعي، بمنح المساعدات لمناطق دون غيرها، مما يحرم الفئات الضعيفة – مثل الحوامل، كبار السن، ذوي الإعاقة، والأيتام – من أبسط حقوقهم في الغذاء والماء، في انتهاك واضح لمبادئ العدالة والحياد.
وفي ختام مذكرتها، أكدت الهيئة أن الخطة الأميركية – الإسرائيلية تمثل عسكرة كاملة للمساعدات وتحويلاً لها إلى أداة تهجير واستيطان ناعم. ودعت إلى تحرك دولي عاجل يرفض هذه الخطة ويدعم فتح المعابر تحت إشراف أممي، ويمنع أي تعاون مع الشركات الأمنية المتورطة، ويشجع العمل الإنساني المستقل، ويدعم التحقيقات الدولية في جرائم الإبادة والتجويع.
وشددت “حشد” على أن استمرار الصمت الدولي أو قبوله الضمني لهذه الخطة هو تواطؤ مباشر مع جريمة إبادة مستمرة، وتهديد بالغ الخطورة للنظام القانوني الدولي بأكمله.