أصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد” ورقة بحثية جديدة للباحثة ياسمين قاسم بعنوان: “عسكرة الإغاثة وعدم جدوى آلية الإنزال الجوي”، تناولت فيها الأبعاد الإنسانية والقانونية والسياسية لاستخدام الاحتلال الإسرائيلي سياسة التجويع كسلاح حرب، إلى جانب استعراض ظاهرة الإنزال الجوي للمساعدات الإنسانية التي وُصفت بأنها آلية عاجزة لا تلبي احتياجات السكان المنكوبين في قطاع غزة، بل تحولت إلى أداة تضليل إعلامي تُستخدم للتغطية على تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بمسؤولياته القانونية والأخلاقية.
الورقة تأتي في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي خلّفت حتى اليوم أكثر من 62 ألف شهيد بينهم ما يقارب 19 ألف طفل و12 ألف امرأة، إضافة إلى أكثر من 157 ألف جريح، إلى جانب تدمير شامل للبنية التحتية وتهجير قسري طاول نحو مليوني إنسان. وأكدت الباحثة أنّ الواقع الإنساني الكارثي في القطاع يكشف أن الاحتلال لم يكتفِ بالقصف المباشر، بل لجأ إلى سياسة “الهندسة الممنهجة للتجويع”، في ظل حصار بري وبحري وجوي خانق، ما يجعل السكان بين خيار الموت السريع تحت القصف أو الموت البطيء بسبب الجوع والعطش والمرض.
أهداف ومنهجية الورقة
أوضحت الورقة أنّ هدفها الأساسي هو تسليط الضوء على خطورة عسكرة الإغاثة، وفحص آليات الإنزال الجوي التي رُوّج لها كخيار إنساني، بينما هي في الحقيقة لا تمثل سوى “حلول شكلية” لا تعالج الكارثة، بل تُسهم في تكريس سياسة العقاب الجماعي. كما اعتمدت الباحثة على منهجية التوثيق والرصد للانتهاكات الإسرائيلية ضد المدنيين وعمليات الإغاثة، إضافة إلى مراجعة التقارير الحقوقية والبيانات الأممية والإحصاءات الميدانية.
محاور الورقة البحثية
جاءت الورقة في ثمانية فصول رئيسية:
الفصل الأول: استعراض شامل للوضع الإنساني في قطاع غزة في ظل الإبادة الجماعية، مع ربطه بمؤشر الجوع العالمي ومراحل تطوره وصولًا إلى مرحلة “الكارثة/المجاعة”.
الفصل الثاني: عرض للتسلسل الزمني لسياسات الاحتلال في هندسة التجويع وانهيار المسارات الإنسانية وصولًا إلى خيار الإنزال الجوي.
الفصل الثالث: تناول آلية الإنزال الجوي من حيث النشأة التاريخية والتقنيات المعتمدة، وتحليل انعكاساتها في غزة.
الفصل الرابع: مقارنة بين جدوى المساعدات عبر الإنزال الجوي وبين المساعدات التي تدخل عبر المعابر البرية.
الفصل الخامس: تقديم قراءة إحصائية حول حجم المساعدات المنقولة برًا مقابل تلك التي أُسقطت جوًا منذ بدء الحرب وحتى اليوم.
الفصل السادس: تسليط الضوء على الأهداف الإسرائيلية من عسكرة الإغاثة والتحكم بآليات توزيع المساعدات.
الفصل السابع: عرض الموقف الفلسطيني والدولي تجاه سياسة الإنزال الجوي.
الفصل الثامن: طرح البدائل العملية وخطط الإنقاذ العاجلة، متضمناً توصيات ومخرجات الورقة.
أكدت الورقة أنّ سياسة التجويع الممنهج التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي تشكّل جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان وفق القانون الدولي، وخرقًا صارخًا لاتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي. كما أظهرت أنّ عمليات الإنزال الجوي فشلت في تلبية أبسط احتياجات السكان، وأنها اقتصرت على مشاهد إعلامية دون أثر فعلي على الأرض، مقارنة بالحاجة اليومية المقدّرة بأكثر من 600 شاحنة مساعدات، في حين أنّ ما يسقط جوًا لا يغطي سوى أقل من 1% من هذه الاحتياجات.
وأشارت الورقة إلى أنّ الاحتلال عمد إلى استهداف مراكز توزيع المساعدات وارتكاب مجازر بحق المدنيين الذين احتشدوا للحصول عليها، محوّلًا مواقع الإغاثة إلى “مصائد موت”، ما أدى إلى استشهاد ما يقارب 2000 مدني وإصابة عشرات الآلاف.
اختتمت الورقة بتأكيد أنّ البديل الواقعي يتمثل في فتح المعابر البرية بشكل كامل وآمن تحت إشراف دولي، وإدخال المساعدات بانتظام ودون عراقيل، إلى جانب وقف فوري لحرب الإبادة، ومحاسبة إسرائيل على جرائمها أمام المحكمة الجنائية الدولية. كما شددت على ضرورة أن يتجاوز المجتمع الدولي مرحلة البيانات والإدانات، ويتحرك بجدية لفرض الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وضمان حقه في الغذاء والدواء والحياة الكريمة