حشد” تنشر دراسة نوعية بعنوان “الرواية الشفهية بين التوثيق التاريخي والإثبات والتجريم القانوني 

أصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد” دراسة حقوقية نوعية تحت عنوان “الرواية الشفهية بين التوثيق التاريخي والإثبات والتجريم القانوني”، أعدها الدكتور صلاح عبد العاطي، المحامي والباحث والناشط الحقوقي، ورئيس الهيئة. وتتناول الدراسة واحدة من أكثر القضايا أهمية في مسار التوثيق القانوني والوطني، متمثلة في الرواية الشفهية الفلسطينية، ودورها المحوري في إثبات الجرائم الدولية التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، ومحاسبة مرتكبيها على الصعيدين الوطني والدولي.

الرواية الشفهية… ذاكرة وطنية وأداة قانونية
تناولت الدراسة، عبر منهج وصفي تحليلي قانوني، أهمية الرواية الشفهية بوصفها وسيلة حاسمة لحفظ التاريخ الفلسطيني، وتوثيق الجرائم والانتهاكات الجسيمة، وتقديمها كأدلة إثبات أمام المحاكم الجنائية الدولية، وذلك استنادًا إلى شهادات الضحايا والشهود الذين عاصروا المجازر والانتهاكات منذ نكبة 1948 وحتى الحروب المتكررة على غزة، وآخرها حرب الإبادة الجماعية في 2023.

وأكدت الدراسة أن الرواية الشفهية لا تُعد فقط أداة لتوثيق المعاناة، بل أيضًا رافدًا أساسيًا في بناء ملفات قانونية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب استنادًا إلى مبدأ عدم تقادم الجرائم الدولية.

الدراسة ترصد فجوة في التوثيق الرسمي الفلسطيني
سلّطت الدراسة الضوء على ضعف الجهود الرسمية الفلسطينية في مجالات التوثيق القانوني والمحاسبة الدولية، وعدم استغلال عضوية دولة فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية بالشكل الأمثل. حيث لم يتم تقديم ملفات شاملة تضمن محاسبة الاحتلال منذ نكبة 1948، واكتفت السلطة بإحالة ملفات محدودة، كملف الاستيطان لعام 2014.

وخلصت إلى أن التجربة الفلسطينية في توثيق الروايات الشفهية، خصوصًا على المستوى الرسمي، لم ترتقِ إلى مستوى التحديات، ما يستوجب بلورة استراتيجية وطنية شاملة تشاركية، تُسند إلى مؤسسات المجتمع المدني والجامعات ومراكز الأبحاث وتستخدم التكنلوجيا كوسيلة لحفظ الذاكرة الفلسطينية.

أدوات الإثبات أمام القضاء الدولي
عرضت الدراسة تفصيلًا شاملًا لوسائل الإثبات المعتمدة دوليًا، موضحة مكانة الرواية الشفهية إلى جانب الأدلة الكتابية والمرئية والمسموعة، حيث يتم قبول الشهادات المسجلة، والمقابلات، وحتى الشهادات السماعية في المحاكم الدولية، وفقًا لمبدأ “الاقتناع القضائي”.

وأوضحت أن المحاكم مثل محكمة يوغسلافيا السابقة ومحكمة رواندا اعتمدت بشكل كبير على الشهادات الشفهية، مقارنة بمحكمة نورمبرغ التي ركزت على الوثائق، مما يؤكد على مرونة القضاء الجنائي الدولي في قبول الروايات الشفهية، شرط توثيقها والتحقق من مصداقيتها.

نحو محاسبة الاحتلال: مسؤولية جنائية ومدنية
حددت الدراسة أركان المسؤولية القانونية الجنائية والمدنية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة أن الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين منذ عقود تدخل ضمن تصنيف جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، ما يعني إمكانية ملاحقة الآمرين والمنفذين أمام القضاء الدولي، خاصة وفقًا لاتفاقيات جنيف وميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.

وأشارت إلى أن مسؤولية دولة الاحتلال لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تشمل تعويض الشعب الفلسطيني عن الأضرار المادية والمعنوية، بما فيها تدمير الممتلكات، والقتل، والتهجير القسري، والتطهير العرقي.

عقبات دولية ووطنية تعرقل المحاسبة
تناولت الدراسة بعمق أبرز التحديات الوطنية والدولية التي تعرقل ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، ومن أهمها:

غياب قانون فلسطيني موحد لملاحقة الجرائم الدولية.
هيمنة الدول الكبرى على مجلس الأمن، وانحياز الإدارة الأمريكية لصالح الاحتلال.
تراجع بعض الدول الأوروبية عن استخدام مبدأ الولاية القضائية لأسباب سياسية.
ضعف التعاون القضائي الدولي، وغياب الإرادة السياسية الفلسطينية الجادة.
عدم تقديم طلبات لحماية دولية أو إنشاء محكمة خاصة بموجب صيغة “متحدون من أجل السلام”.
توصيات استراتيجية لإنقاذ الذاكرة والمحاسبة
قدمت الدراسة مجموعة شاملة من التوصيات العملية لإنقاذ ما تبقى من الرواية الفلسطينية، وضمان مأسسة التوثيق والمحاسبة، أبرزها:

وضع استراتيجية وطنية شاملة لتوثيق الروايات الشفهية تشمل جميع الفلسطينيين داخل الوطن والشتات.
تأسيس مركز وطني للذاكرة الفلسطينية داخل الجامعات ومراكز الأبحاث بالتعاون مع المؤسسات الحقوقية.
تعزيز التفاعل مع الآليات القانونية الدولية، وتوظيف التكنولوجيا في أرشفة الشهادات.
إطلاق حملة تضامن عالمية لتوثيق جرائم الاحتلال على غرار حملة المقاطعة.
المطالبة بتفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية، وإنشاء محكمة خاصة لمحاسبة الاحتلال منذ عام 1948.
أهمية الدراسة: سد الفجوة القانونية وتوثيق الذاكرة الفلسطينية
أكّدت الهيئة الدولية “حشد” أن هذه الدراسة تُعد رافدًا قانونيًا وأكاديميًا بالغ الأهمية للمكتبة الحقوقية الفلسطينية والعربية، بما تطرحه من رؤية استراتيجية تقوم على تدويل الصراع وتوثيق الرواية الفلسطينية بوصفها أداة للمحاسبة القانونية.

كما تأتي هذه الدراسة في توقيت بالغ الحساسية، وسط تصاعد الجرائم الإسرائيلية وغياب المحاسبة الدولية، مما يتطلب استنهاض كل الطاقات الحقوقية والأكاديمية، وتعزيز الشراكة بين مكونات النظام السياسي الفلسطيني، لبناء مسار قانوني حقيقي ينتصر لحقوق الضحايا، ويضع نهاية للإفلات من العقاب.

للاطلاع على الدراسة بالكامل اضغط هنا