السياسي- متابعات
منذ أكثر من ستة عقود، تحاول السينما المصرية إثبات حضورها في سباق جوائز الأوسكار العالمية، لكن محاولاتها لم تصل إلى القائمة النهائية حتى اليوم.
وبدأت مصر إرسال أفلامها للمنافسة في فئة “أفضل فيلم دولي” منذ عام 1958 بفيلم “باب الحديد” ليوسف شاهين.
وتوالت الترشيحات لاحقاً مع أعمال مثل “دعاء الكروان”، “إسكندرية… ليه؟”، “اشتباك”، “شيخ جاكسون”، “يوم الدين”، “سعاد”، “ڨوي ڨوي ڨوي”، و”رحلة 404″، ومع ذلك، لم يتمكن أي من هذه الأفلام من بلوغ القائمة القصيرة أو النهائية.
ومع اقتراب انعقاد اجتماع جديد للجنة الاختيار في القاهرة لاختيار فيلم من بين سبعة أعمال مرشحة هذا العام، تعود التساؤلات مجدداً حول أسباب غياب مصر عن المنافسة الحقيقية في ملعب الجائزة الأكثر شهرة في عالم السينما.
أفلام مصرية في سباق الترشح
اجتمعت قبل أيام لجنة مكونة من 23 عضواً ضمت عدداً من المخرجين والكتاب والنقاد لمراجعة 35 فيلماً عُرضت بين أكتوبر (تشرين الأول) 2024 وسبتمبر (أيلول) 2025، وخلصت إلى قائمة من سبعة أفلام، هي: “ضي”، “جوازة في جنازة”، “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو”، “ورفعت عيني للسما”، “سنو وايت”، “الهوى سلطان”، و”شرق 12”.
وأوضحت اللجنة أنها ستعقد اجتماعاً آخر الأحد لاختيار الفيلم النهائي، وذلك بعد استكمال مشاهدة بعض الأعمال التي لم تُطرح تجارياً بعد، وعلى رأسها “ضي” -الذي عُرض مؤخراً- و”جوازة ولا جنازة”.
كما علم موقع “24” أن فيلم “عيد ميلاد سعيد” للمخرجة سارة جوهر، انضم إلى القائمة الخاصة بالترشيحات، ومن المقرر أن تنعقد اللجنة للتصويت النهائي خلال الاجتماع المقبل.
أزمة فنية وليست دعائية
أوضح الناقد الفني محمد عبد الرحمن في تصريحاته لـ”24″ أن المنافسة في الأوسكار ليست مسألة عرض فيلم جيد وحسب، بل ترتبط بقدرة العمل على تقديم طرح إنساني وفني متفرد.
وأكد أن اللجنة الأمريكية تختار سنوياً قائمة قصيرة من بين مئات الأفلام الدولية، وبالتالي لا مكان إلا للأفلام التي تمتلك عناصر خاصة مثل الابتكار البصري، عمق الفكرة، واستخدام لغة سينمائية مغايرة للمعتاد.
وأشار عبد الرحمن إلى أن أغلب الأفلام المصرية تميل إلى الطابع التجاري الذي يضع شباك التذاكر في المقدمة، وهو ما يحرمها من التميز الفني المطلوب.
وأضاف أنه حتى الأعمال الجادة التي تخرج من هذا الإطار لا تحقق جميع الشروط مجتمعة، ما يقلل من فرصها في المنافسة، ورغم ذلك، وصف قائمة هذا العام بأنها جيدة ومليئة بالمحاولات الطموحة، مبدياً ميله لفيلم “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو” الذي رأى أنه يقترب أكثر من المعايير المطلوبة.
غياب رؤية مؤسسية
أما الناقد محمد عبد الخالق فقدم قراءة مختلفة، إذ اعتبر أن الإشكالية ليست فقط في جودة الأعمال، بل في طبيعة المعايير التي تحكم الاختيار.
وقال إن معايير الأوسكار لا تقتصر على الجانب الفني، بل تشمل أيضاً توجهات مرتبطة بالقضايا العالمية مثل حقوق الأقليات أو الأبعاد السياسية، وهي موضوعات لا تحضر بكثافة في الأفلام المصرية التي تنشغل أكثر بهموم محلية.
ولفت عبد الخالق إلى أن السينما المصرية مرت بفترات ضعف طويلة، تراجعت خلالها جودة الإنتاج، وابتعدت الموضوعات المطروحة عن الاهتمام الدولي، كما أوضح أن الصناعة تفتقر إلى كيان مؤسسي يقود عملية الإنتاج بشكل منظم، حيث تظل الأفلام مجرد مبادرات فردية عشوائية تتحكم فيها معادلات السوق.
واقترح إنشاء مؤسسة رسمية تابعة لوزارة الثقافة على غرار “المؤسسة العامة للسينما” في بعض الدول، تتولى إنتاج عشرة أفلام سنوياً ذات طابع فني وثقافي، بهدف تمثيل مصر في المهرجانات العالمية، مشيراً إلى أن هذه الخطوة كفيلة بإعادة السينما المصرية إلى موقعها الطبيعي عالمياً.
ورغم كل المحاولات المتكررة، يظل حلم الأوسكار بالنسبة للسينما المصرية معلقاً بين الطموح والواقع، بانتظار عمل قادر على الجمع بين الأصالة المحلية والجاذبية العالمية.
وبينما تستعد اللجنة لحسم اختيارها خلال الأيام المقبلة، تترقب الأوساط السينمائية المصرية ما إذا كان هذا العام سيحمل بداية مختلفة لمسار طال انتظاره منذ عقود.