يفترض أن تقوم الحكومة أو أي جهة تتولى أمور العامة بتأمين احتياجاتهم من مأكل ومشرب وملبس ووظائف وغيرها من الواجبات التي تقع على عاتقها، وخاصة في قطاع غزة بعد ما حل بهم من دمار وقتل وتشريد ونزوح على مدار عامين من حرب الإبادة الاسرائيلية، تلك طبيعة الأشياء لأي مجتمع يقف على محطاته ويتأمل ذاته ليقرر كي تستمر مستفيدا من تجربته وأخطائه وإدارته لذاته، إلا أن الأمر هذه المرة كان مختلفا تماما، فمن يقع على عاتقه المسؤولية أصبح “بلطجيا” وقاطع للطرق وسارق لمساعدات إنسانية تأتي عبر المعابر الإسرائيلية لأناس لا يجدون مأكلهم ولا مشربهم، وانتشرت صور مجاعتهم عبر العالم.
فقد شاب عقل الفلسطيني الذي يسكن قطاع غزة في أشهره الأخيرة قدر من التبسيط في الصراع مع إسرائيل ليصل محطته الأكثر صعوبة منذ النكبة: كيف تسرق حكومة حماس مساعدات إنسانية ولماذا؟ تلك يفترض أن تكون مهمة قادة ومسؤولين الحركة وهُم كُثر خارج فلسطين ممن يخرجون علينا في شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي على مدار الساعة لاتهام الاحتلال تارة، ومهاجمة خصومهم في حركة فتح ومنظمة التحرير تارة أخرى، دون التطرق لتجويع اثنين مليون فلسطيني في القطاع، لأن السبب ببساطة هو أن حركتهم تسرق هذه المساعدات.
من الطبيعي أن يتساءل البعض كيف ولماذا تسرق حماس المساعدات، أما كيف فهي عن طريق ملثمون تابعين لما يسمى “وحدة سهم” التابعة لحكومة الحركة بغزة، وقد انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات كثيرة لهذه الوحدة وعناصرها يقومون بتثبيت الناس الذين ذهبونا الى مناطق زكيم ونيتساريم وغيرها من المعابر التي تدخل منها المساعدات، ويأخذون منهم المساعدات عنوة وتحت تهديد السلاح، حتى أن الناس أصبحوا لا يفرقون بين عناصر حماس و”البلطجية” وقاطعي الطرق الذين يسرقون منهم بعض الطعام والطحين الذين استطاعوا أن يأخذون بشق الأنفس، أما لماذا، فالاجابة واضحة، وهي توزيع هذه المساعدات على عناصرها وبعضا من “عظام الرقبة” من قادة الحركة الذين لا يسمح لهم “البرستيج” أن يذهبوا مثل عامة الناس لأخذ المساعدات ومزاحمة الناس، لا يمكن تفسير الأمر إلا على هذا النحو.
مشكلة حماس وعناصرها، هي أنهم لا يتقبلون الحقيقة المرة التي يعيشها التنظيم، وحين نكشف ونصارحهم بالحقيقة، يصابون بالدهشة، وتلك هي حقيقتها التي تجسدت على امتداد عقود من السلوك المشوّه داخل الشعب الفلسطيني.
في عصرنا الحديث كثورة فلسطينية، لابد أن تكون لدى جميع الفصائل الفلسطينية وخاصة الأيديولوجيين منهم تيار “الإسلام السياسي” مهمة واحدة وهي التخلص من الاحتلال بعمل ذكي ومتواصل، ولكن كانت مأساة الفعل الفلسطيني بمجمله تتلخص في الصراع بين استدعاء العقل وبين الغباء، بين تقليد ثورات عالمية سابقة وبين الإبداع الذي تحتاجه القضية الفلسطينية التي تعيش الصراع الأكثر تعقيدا في الصراعات التي شهدتها البشرية.
إن التفكير سمة الشعوب الحية التي تبحث عن مستقبلها في زوايا التاريخ وهو الوصفة الوحيدة لبقائها، لكن أخذت حماس على عاتقها مسؤولية إدارة الشعب في غزة، وأبعدت كل من يعارضها بل مارست عليهم القمع، فهل آن الأوان لأن تقف حماس عند مسؤولياتها وتوقف أعمال البلطجة والسرقة للمساعدات وتوقف حالة الفوضى التي أنشأتها هي ذاتها حتى يواصل العالم مشاهدة المجاعة في غزة وتأليب الرأي العام العالمي على إسرائيل، أم ستستمر في نهجها “الخاطئ” من الأساس حتى يصبح الفلسطيني “الهنود الحمر” في التاريخ الجديد؟