حماس وجثث الأسرى..الرهان العقيم!!

بقلم: علاء مطر

من المدهش أن ترى قادة حركة حماس الذين فشلوا في حماية شعبهم على مدار عامين من الإبادة والطحن، يظهرون موقفا علنا بأنهم مستعدون لتسليم جثث الأسرى الإسرائيليين لإسرائيل وفقا لاتفاق ترامب الذي وافقت عليه الحركة، ويرفضون ذلك ميدانيا، لأسباب غريبة، وهم يعتقدون أنهم يمارسون السياسة بذكاء يخلو من مستوى يتناسب تماما مع إبعادهم نحو هوامش القضية الفلسطينية، لأن معرفتنا بالسياسة أنها فعل الأذكياء الذي يقوم على تحصيل إنجازات لا إحصاء جنازات، وإعادة الحروب، ودفن الموتى فتلك مهنة الحانوتي، فهدف السياسة وفقا لما نعلم هو التحرير والتعمير لا استدعاء الاحتلال لمزيد من الخراب والتدمير مثلما حدث الليلة الماضية.

فلا يمكن تجاهل حقائق الأشياء وطبيعة الحروب ونهاياتها، فالطبيعي أن تنتهي الحروب دوما بخسارة ونصر وما يتلوها من نتائج على الأرض، لأن الحروب منذ فجر التاريخ وجدت لصناعة السياسة وحقائقها، وآخرها موضوع تسليم جثث الأسرى الموجودين لديها، وما يتلو ذلك من المرحلة الثانية من اتفاق ترامب الذي يشمل إعادة إعمار قطاع غزة والجهة التي ستتسلم زمام الأمور في القطاع، وعودة الحياة نوعا ما الى الأهالي الذين فقدوها منذ عامين، وهذه الأمور جميعها مرهونة بإعادة الجثث الإسرائيلية.

وبينما يصُوغ المجتمع الدولي خططا واسعة النطاق لإعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب، تبيّن بما لا شك فيه أن العائق الرئيسي أمام تنفيذ هذه المبادرات هو موقف حماس، الرافض لإعادة جثث الجنود الإسرائيليين المحتجزين لديها، وفقا للاتفاق، تحت حجج واهية، رغم الوعود المتكررة التي قُدمت للوسطاء من قادة الحركة، التي لا تزال عند موقفها الرافض ضمنيا، مما يمنع حتى اللحظة تحقيق أي تقدم حقيقي في إعادة الإعمار الاقتصادي والإنساني لقطاع غزة.

حماس التي لا تزال غير مقتنعة بأن الاستسلام هو فعل سياسي وجزء من أدبيات السياسة وليس دخيلا عليها، ويعكس أحيانا قدرا كبيرا من الذكاء في ممارستها بالتوقف في اللحظة المناسبة للحفاظ على ما تبقى قبل أن يلتهم الحرب كل شيء وليبقى شيء يعاد ترميمه وحتى لا ينتهي الشعب وحضارته ووجوده على أرضه، وخصوصا عندما يدرك الطرف الضعيف أن لا حول له ولا قوة لمنع الآخر من سحقه وسحق شعبه.

وقد فعلها الكثيرون عبر التاريخ عندما خذلهم الميدان فغابت القوى التي وقعت الاستسلام لكن بقيت الأوطان والشعوب، إلا أن الحركة الإسلامية التي تعود جذورها الى جماعة الاخوان المسلمين، وتعودت طوال التصعيدات السابقة على مدار السنين اعلان نصرها بذريعة أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها بالقضاء على المقاومة أو الحركة بشكل أخص، مثلها مثل حزب البعث في سوريا بعد النكسة الذي قال بأن العدو فشل في تحقيق أهدافه لأنه أراد إسقاط حزب البعث ولم ينجح، وهي أعلى قمة في التراجيديا الساخرة على وعي الشعوب، كأن يدخل السارق بيتك ويسرق كل محتوياته وفي النهاية تقنع نفسك بأنك أنت المنتصر بسذاجة ماكرة لأن الهدف الحقيقي للحرامي هو سرقتك أنت شخصيا وأخذك في شوال طحين مثلا وتقنع نفسك بذلك.

إن الحركة الإسلامية مازالت تخلط السياسة بالأحلام والهذيان، وهو ما بقيت عليه طوال العامين الماضيين، حتى صحيت حماس المنهزمة على هزيمة كبرى بعد أن انتهى كل شيء وبعد فوات اللحظة والأوان، لأن اتخاذ القرار الصعب والمنقذ للشعب له لحظة أيضا، وإذا ما فاتت تكون الخسارة مضاعفة.

ماذا لو أدركت حماس مبكرا عقم المراهنة على قضية الاسرى الإسرائيليين منذ البداية وقد حصل؟ ربما لقطعت الطريق على تدمير غزة ولقطعت الطريق على مشاريع النزوح والتهجير وتفريغ غزة، ولكن للأسف كان لديها رأيا آخرا، وكأنهم يطالبون بتوفير ذرائع لنتنياهو المتعطش للدم لمزيد من القتل والتدمير بالقطاع… وكان ما كان من قتل وتدمير أمس واليوم، دون أن تظهر حماس الحد الأدنى من العقلانية بضرورة تسليم جثث الأسرى الموجودين لديها.

للأسف، أدارت حماس الحالة الفلسطينية حتى الآن بشكل لا يتناسب مع الحد الأدنى من الأداء السياسي أو العسكري أو الإداري، حتى أنها تتلعثم في تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب وعدم ترك ذرائع أمام إسرائيل للدخول بالمرحلة الثانية وبدء الاعمار، فحكمت علينا وعلى نفسها بأم الهزائم.

بكل الظروف النتيجة واحدة، قطاع غزة تعرض وسيتعرض لعملية طحن مستمرة، ولا أحد قادر على حمايته، بفعل مكابرة ومعاندة قادة حماس الجهلة في السياسية والعسكرية، ولأن لا معجزات في هذا الزمن فالغزيون ينتظرون أي شيء ..أي شيء، ويستغربون من حماس تأخرها في تسليم بعضا من الجيف تمسكها في يدها، بعد أن انتهت حلول الأرض… كأن حالة القهر والقتل والدمار مازالت مستمرة.. لنا الله..