حماس وخطة ترامب: بين وقف الإبادة وحماية الثوابت الوطنية

بقلم: محمد التاج

أثار رد حركة حماس على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة نقاشا واسعا في الساحة الفلسطينية والعربية والدولية، لما يحمله من توازن دقيق بين الاستجابة للضغوط الواقعية التي يفرضها استمرار حرب الإبادة في القطاع، وبين محاولة الحفاظ على الثوابت الوطنية الفلسطينية وعدم الانزلاق إلى فخاخ سياسية قد تستغل لاحقا لتكريس حلول انتقاصية.

من الواضح أن الحركة حاولت أن توازن بين ضرورات وقف الحرب وما تعنيه من نزيف دموي يومي يعيشه أهل غزة، وبين الإصرار على رفض التهجير والاحتلال، وهو ما جاء بوضوح في البيان. قبول الحركة بمبدأ تبادل الأسرى وفق صيغة ترامب ليس اعترافا بالطرح الأمريكي، بل خطوة براغماتية لانتزاع مكاسب إنسانية وسياسية، تحرير أسرى فلسطينيين، وتثبيت مبدأ رفض الاحتلال والتهجير.

موافقة حماس على تسليم إدارة القطاع لهيئة فلسطينية من المستقلين، مدعومة عربيا وإسلاميا، تمثل إشارة إلى استعدادها للتخلي عن السيطرة الإدارية المباشرة، مقابل ضمان أن لا يتحول القطاع إلى كيان منفصل أو إلى منطقة منزوعة من عمقها الوطني. هذا الموقف يفتح الباب أمام صياغة معادلة جديدة للشراكة الوطنية بعيدا عن التجاذبات الفصائلية.

اللافت أن البيان ميز بوضوح بين القضايا الإنسانية والعاجلة ( وقف الحرب، الأسرى، المساعدات، إدارة القطاع ) وبين القضايا السياسية الجوهرية ( مستقبل غزة وحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة ). هذه الثنائية تكشف إدراك الحركة أن أي انخراط في تفاصيل الصفقة لا يمكن أن يتم بمعزل عن إطار وطني جامع، يحمي القضية من اختزالها في حدود غزة أو في صفقات إنسانية مؤقتة.

لا شك أن ترامب يحاول استثمار لحظة الضعف الفلسطيني والعربي، وتوظيف معاناة غزة لتسويق نفسه كصانع سلام بالقوة. لكن رد حماس جاء حذرا، فهو يثمن الجهود، لكنه لا يمنح الشرعية للخطة الأمريكية كمرجعية سياسية نهائية. بل يعيد التأكيد على المرجعيات الدولية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

يبقى التحدي الأكبر في قدرة الفلسطينيين على تحويل هذه اللحظة إلى فرصة لإعادة بناء البيت الداخلي. فحماس، برفضها الانفراد بتقرير مصير غزة، أرسلت رسالة ضمنية بضرورة العودة إلى الإطار الوطني الشامل. غير أن هذا يتطلب تجاوبا من السلطة والفصائل الأخرى، حتى لا يتحول الرد إلى مجرد مناورة في معركة علاقات عامة.

يمكن القول إن رد حماس على خطة ترامب يعكس مزيجا من المرونة التكتيكية والصلابة الاستراتيجية. الحركة تدرك أن شعبها يئن تحت القصف والجوع، لكنها في الوقت نفسه ترفض أن يكون ثمن وقف النار هو التنازل عن الثوابت. بين ضغط الدم والبارود، وبين رهانات السياسة، تبقى البوصلة الأخطر: كيف يحافظ الفلسطينيون على وحدتهم، حتى لا يتحول الرد إلى مجرد ورقة تفاوض عابرة في دفتر البيت الأبيض.