حماس وروايتها بعد عامين على طوفان الأقصى: بين السردية المغلقة وغياب النقد

بقلم د. عبدالرحيم جاموس

بعد مرور عامين على عملية طوفان الأقصى وشهرين ونصف ، لم تعد القضية الفلسطينية في موقعها السابق، لا سياسيًا ولا إنسانيًا ولا وطنيًا.
ما جرى لم يكن حدثًا عسكريًا معزولًا، بل زلزالًا أعاد تشكيل المشهد الفلسطيني والإقليمي، وفتح الباب أمام واحدة من أعنف الحروب الإسرائيلية وأكثرها تدميرًا، لا سيما في قطاع غزة.
ورغم فداحة النتائج، ما زالت حركة حماس تُصرّ على تقديم رواية أحادية مغلقة، تُسقط منها أي مراجعة نقدية موضوعية، وتُحمّل الاحتلال وحده كامل المسؤولية، وكأن القرار، والتقدير، والتوقيت، والسياق، عوامل لا تخضع للمساءلة.
سردية النصر…
أم إدارة الهزيمة؟
منذ الأيام الأولى، قدّمت حماس طوفان الأقصى باعتباره تحولًا استراتيجيًا تاريخيًا و”نصرًا مؤزرًا”، وحرصت على تثبيت هذه السردية عبر خطاب تعبوي ديني – عاطفي، يتحدث عن كسر الردع وإعادة الاعتبار للأمة، دون التوقف الجاد عند سؤال:
ما الذي جرى لغزة؟ وبأي ثمن؟
فالنتائج الواقعية كانت كارثية:
تدمير شبه كامل للبنية التحتية في القطاع. عشرات آلاف الشهداء والجرحى.تهجير داخلي واسع.انهيار مقومات الحياة. عودة الحديث عن التهجير والتصفية السياسية للقضية.
ورغم ذلك، لم نسمع من قيادة حماس رواية نقدية تُقرّ بالأخطاء، أو تُراجع القرار، أو تعترف بأن الحسابات العسكرية لا يمكن فصلها عن الكلفة الإنسانية والسياسية.
تغييب النقد وتحريم السؤال :
الأخطر من السردية نفسها، هو تحريم نقدها.
فكل من طرح أسئلة من قبيل:
هل كان التوقيت مناسبًا؟
هل كانت غزة قادرة على تحمّل الرد؟
هل جرى التشاور الوطني؟
هل أُخذ موقف الشعب بعين الاعتبار؟
تم وسمه إما بالجبن، أو العمالة، أو خيانة “المقاومة”.
وهنا تتحول المقاومة من فعل تحرري إلى أيديولوجيا مغلقة، لا تُسائل ذاتها، ولا تعترف بحدودها، ولا ترى في الشعب شريكًا بل وقودًا.
بين المقاومة والمشروع الوطني :
لا أحد يُنكر حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، ولا يشكك في شرعية النضال بكل أشكاله. لكن الإشكالية الجوهرية تكمن في فصل المقاومة عن المشروع الوطني الجامع.
طوفان الأقصى لم يكن نتاج استراتيجية وطنية موحدة، بل قرارًا فصائليًا منفردًا، اتُّخذ خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ودون توافق وطني، ودون رؤية واضحة لليوم التالي.
وهنا يظهر التناقض العميق:
كيف يمكن لعمل عسكري بهذا الحجم أن يُدار دون غطاء سياسي وطني؟
وكيف تُختزل القضية الفلسطينية في تنظيم، أو في جغرافيا محاصرة، أو في سردية واحدة؟
قيادة الخارج وواقع الداخل :
بعد اكثر من عامين، باتت الفجوة أكثر وضوحًا بين:
خطاب قيادات الخارج، وواقع غزة المنكوبة.
قيادات تتحدث عن الصمود والانتصار من عواصم آمنة، فيما يدفع أهل غزة الثمن الكامل: دمًا، وجوعًا، وخرابًا.
هذه الفجوة لا يمكن تبريرها بالشعارات، ولا بتقديس القرار، ولا باستدعاء مفردات العقيدة والأمة، لأن السياسة تُقاس بالنتائج، لا بالنوايا.
التفاوض والازدواجية الخطابية :
من أخطر ما كشفته المرحلة اللاحقة، هو الازدواجية في خطاب حماس:
خطاب مقاوم يرفض الاعتراف بإسرائيل.
وخطاب سياسي يفتح الباب للتفاوض غير المباشر، بل والمباشر، مع واشنطن، ويقبل بتحييد السلاح أو “السلاح الهجومي”.
هذا التناقض يُفرغ السردية من مضمونها، ويطرح سؤالًا جوهريًا:
إذا كانت النتيجة هي التفاوض من موقع الضعف، فلماذا لم تُدار الخيارات منذ البداية بمنطق وطني أقل كلفة وأكثر عقلانية؟
الحاجة إلى مراجعة لا إلى تبرير :
بعد عامين واكثر على طوفان الأقصى، لم يعد المطلوب:
تبرير ما جرى، ولا تضخيم الإنجاز، ولا شيطنة النقد،
بل مراجعة وطنية شاملة، تعترف بأن:
البطولة لا تُلغي الخطأ، والمقاومة لا تُعفي من المحاسبة، والقرار المصيري لا يجوز أن يكون حكرًا على فصيل.
فالقضية الفلسطينية أكبر من أي تنظيم، وغزة ليست ساحة تجارب، والشعب ليس وقودًا للسرديات.
خاتمة القول :
إن استمرار حماس في تقديم رواية مغلقة لطوفان الأقصى، دون نقد ذاتي أو مراجعة سياسية وأخلاقية، لا يخدم المقاومة ولا القضية، بل يكرّس الانقسام ويُضعف الموقف الفلسطيني.
وحدها الشجاعة في الاعتراف، والعودة إلى المشروع الوطني الجامع، وإعادة الاعتبار للشعب كشريك لا كأداة، يمكن أن تفتح أفقًا جديدًا بعد هذا الثمن الكبير و الفادح.
أما الصمت، أو التخوين، أو الاكتفاء بسردية الانتصار، فلن يوقف النزيف، ولن يعيد غزة، ولن يحمي فلسطين.
د. عبد الرحيم جاموس
الرياض
26/12/2025 م