لم تكن حركة حماس في أي وقت حريصة على مباشرة المفاوضات مع الكيان الصهيوني منها هذه الأيام، ليس بالطبع بسبب ما لحق غزة من قتل وتجويع وتدمير كل مظاهر الحياة لأن ذلك جرى وظهرت نتائجه المدمرة منذ عدة أشهر مثال ما يتعلق بالإعمار حيث قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه إذا تحققت أفضل الاحتمالات مع افتراض تسليم مواد البناء بأسرع 5 أمثال ما كان عليه الحال في أزمة غزة السابقة في عام 2021، يمكن إعادة بناء المنازل المدمرة بحلول عام 2040.أي بعد ستة عشر عاما .
لكن تقييم البناء حسب الأمم المتحدة يشير إلى أن غزة بحاجة إلى “قرابة 80 عاما لاستعادة جميع الوحدات السكنية المدمرة بالكامل” في حال كانت وتيرة إعادة الإعمار بالإيقاع نفسه الذي حدث في المرات السابقة.أي أن إعادة بناء ما دمر سيستمر مع ثلاثة أجيال تقريبا .
وسيكون 50 ألف شهيد ومفقود قد ذهبوا ولن يعودوا ، وأكثر من 80 ألف مصاب جزءا كبيرا منهم سترافقه الإعاقة طول حياته، هم والشهداء والمفقودين الضحايا بلا مقابل.
ومع ذلك فليست هذه هي القضية لدى حماس، كون هذه الأرقام مثبتة منذ عدة أشهر وليست جديدة. ولكن حماس الآن مع أولوية وقف إطلاق النار والوعد بضمانات بالانسحاب من القطاع، إلا أن الحلقة المركزية لديها تبقى صفقة التبادل، وهي هنا تتعلق بالثمن الذي سيجبر العدو على دفعه، بالإفراج عن أسرى فلسطينيين كبار من القادة وذوي الأحكام العالية، مقابل رهائنه..باعتبار أن ذلك سيكون إنجازا لحماس وطوفان الأقصى.
لكن يبدو أن هناك متغيرا ميدانيا تمثل في مجازر رفح وإعادة احتلال محور فيلادلفبا ومعبر رفح والحديث الصهيوني عن البقاء في المحور وعدم الانسحاب ضمن أي اتفاق، إضافة إلى عامل خارجي مهم يتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر المقبل، هذه العوامل ربما هي من جعلت حماس تتراجع خطوتين للوراء وتحمل نتنياهو مسؤولية التعطيل، وهذا يتعلق بالمؤشرات القوية سيما بعد المناظرة بين دونالد ترامب و جو بايدن الذي بدا فيها مهزوزا وضعيفا ويعاني من شيخوخة ذهنية، ثم محاولة اغتيال ترامب الفاشلة، التي تشير ٱلى أن ترامب صاحب صفقة الفرن وشرعية الاستيطان ،سيكون هو رئيس الولايات المتحدة المقبل، بكل عدوانيته وتماهيه في المشروع الفاشي الصهيوني.
وهو أمر قد يفسر لماذا يرواغ نتنياهو في الانخراط في المحادثات حول مبادرة بايدن، مع أن إطار خريطة بايدن هم من وضعوه وهو أمر تنبهت له حماس ولذلك سارعت إلى نفي خبر بثته الوكالة الفرنسية نقلا عن قيادي فيها، بتعليق بالمفاوضات مع الكيان الصهيوني ، بعد أن باتت لدبها شكوكا عميقة حسب أحد مسؤوليها بأن نتنياهو يعمل على شراء الوقت الي كانت تظن حماس أنه كان في صالحها، لمواصلة الحرب حتى بعد الانتخابات الأميركية، آملاً بعودة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي من المتوقع أن يوفر له دعماً أكبر” .إذا ما استحضرنا موقف ترامب في المناظرة مع بايدن التي جرت الشهر الماضي عندما اتهم بايدن بأنه فلسطيني، كونه حسب ترامب يمنع نتنياهو من مواصلة محرقة غزة.
ولذلك تحاول حماس أن تجعل للوقت قيمة هذه المرة لذلك قال أحد مسؤولي “حماس “أبدينا مرونة أشاد بها الوسطاء، والكرة الآن في ملعبهم، فإما أن يوقفوا الحرب، وإما أن يحملوا نتنياهو المسؤولية عن استمرارها، ويتخذوا الخطوات اللازمة لوقفها من خلال مجلس الأمن الدولي، أو وقف الدعم العسكري الأميركي”.
وهذا جعل مسؤولا رفيعا في الحركة، فضل عدم ذكر اسمه:يقول “وافقنا على مقاربة الوسطاء، رغم عدم ثقتنا برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ونواياه، آملين في تغيير المعادلة وتوجيه الضغط إلى نتنياهو”.
وأضاف المسؤول: “قال لنا الوسطاء إن قبولنا بالئورقة سيفتح الطريق أمام الإدارة الأميركية للعمل على وقف الحرب، وسيفتح الطريق أيضاً أمام جهات إسرائيلية عديدة لوقف إطلاق النار، مثل المؤسسة الأمنية التي ترى أن الحرب استنفدتظظ أهدافها، وأن مطالبة نتنياهو لها بالعودة إلى مواقع القتال التي سبق لها أن دخلتها مراراً أمر غير مهني، وأن الدافع وراء ذلك سياسي، وشخصي لنتنياهو ولا يخدم الرؤية الاستراتيجية للحرب”.
وكانت حماس منذ البدء تراهن.على أن الوقت في صالحها ؤأن جيش الكيان حسب يحيى السنوار هو في المكان الذي تريده كتائبه فيه ، على قاعدة أنه يملك الوقت لشن حرب عصابات طويلة تنهك جيش الاحتلال، لأنها كانت تقدر أنه ليس في صالح الكيان سيما وهي تخوض حرب عصابات عبر الأنفاق، في حين كان كل يوم إضافي في هذه المحرقة، هو بالنسبة لأهل غزة مزيدا من المجازر والتجويع أكل الأخضر واليابس بشرا وشجرا وحجرا في غزة.
ويبدو أن حماس الآن قد أدركت مأزق الوقت الذي جرى تبديده، وأنه لن يعمل لصالحها عندما يتولي ترامب مسؤولياته، وحتى ذلك الحين ستكون إدارة بايدن محل ابتزاز وضغط من قبل الكيان الصهيوني ومجموعات الضغط اليهودية من أجل تلببة مطالب نتنياهو وفريقه الحكومي الفاشي على حساب مصالح الشعب الفلسطيني.