بقلم: جوناثان باس – 28 مايو 2025 – Jewish Journal
يرى كثير من السوريين في الرئيس أحمد الشرع ليس ثورياً، بل مُرمّماً – شخصاً قادراً على جمع شتات أمة أنهكتها الحرب ومزقتها الهويات.
في قلب دمشق – المدينة التي صمدت في وجه الحصار والحزن والظلام والزمان – التقيت بالرئيس السوري المنتخب حديثاً، أحمد الشرع. جرى حديثنا في أروقة قصر الأسد السابق، الذي بات يُعرف اليوم باسم “قصر الشعب” – في تناقض صارخ مع المباني المتواضعة المحيطة به. دمشق، أقدم مدينة مأهولة في العالم، تهمس فيها الجدران بحكايات التاريخ، وكانت المكان الأمثل لحوار لا يتناول السلطة، بل إعادة البناء والمصالحة وعبء قيادة أمة محطّمة.
قال لي: “نحن لا نبدأ من الصفر، بل من الأعماق.”
يتحدث الشرع، الذي تولى الرئاسة بعد سقوط بشار الأسد، بثقة هادئة. صوته منخفض، لكن كل كلمة منه مدروسة. لا يحمل نبرة انتصار، بل شعوراً بالعجلة والمسؤولية.
وأضاف: “لقد ورثنا أكثر من مجرد أنقاض. ورثنا صدمات، وانعدام الثقة، وإرهاقاً شديداً. لكننا ورثنا أيضاً الأمل. أمل هش، نعم – لكنه حقيقي.”
لقد حكمت سوريا لعقود طويلة من قبل نظام خلط بين الولاء والصمت، والتعايش بالكراهية، والاستقرار بالقمع. حكمت سلالة الأسد – حافظ ثم بشار – البلاد بقبضة من حديد، زرعت الخوف وأعدمت المعارضين، بينما ذبلت المؤسسات وتحول الاختلاف إلى خطر مميت.
الرئيس الشرع يدرك تماماً الإرث الذي يحمله.
يقول: “سيكون من غير الصادق أن نتحدث عن صفحة بيضاء. فالماضي حاضر – في عيون كل شخص، في كل شارع، وفي كل عائلة. لكن واجبنا اليوم هو ألا نكرره. ولا حتى بنسخة أخف. علينا أن نخلق شيئاً جديداً بالكامل.”
خطواته الأولى في الحكم كانت حذرة ولكنها رمزية بعمق: أصدر أوامر بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وبدأ حوارات مع جماعات المعارضة التي كانت منفية أو مقموعة، وتعهد بإصلاح الأجهزة الأمنية سيئة السمعة. رؤيته تتمثل في مجتمع نابض بالحياة، متعدد الثقافات، وتعددي. وهو يدعم حق العودة لجميع السوريين – من يهود ودروز ومسيحيين وغيرهم ممن صودرت ممتلكاتهم في عهد الأسد.
واقترح إنشاء وزارة خاصة بمصير المفقودين والضحايا، ويقرّ بأن كشف الحقيقة وراء المقابر الجماعية يتطلب شراكة مع الولايات المتحدة – لتوفير التكنولوجيا والمعدات اللازمة، من قواعد بيانات الحمض النووي إلى تأمين التعاون من المسؤولين عن الجرائم السابقة.
قال: “إذا كنت الصوت الوحيد، فهذا يعني أن سوريا لم تتعلم شيئاً. نحن ندعو جميع الأصوات إلى الطاولة – العلمانية والدينية، القبلية والأكاديمية، الريفية والحضرية. الدولة يجب أن تستمع الآن أكثر مما تأمر.”
لكن هل سيثق الناس مجدداً؟ هل سيصدقون وعود حكومة تنهض من رماد ديكتاتورية؟
أجاب: “لا أطلب الثقة. أطلب الصبر – والمساءلة. حاسبوني. حاسبوا هذا المسار. هكذا فقط تأتي الثقة.”
وعندما سألته عما يحتاجه السوريون الآن، أجاب دون تردد:
“الكرامة من خلال العمل. والسلام من خلال الغاية.”
في المدن التي أفرغتها الحرب والقرى التي ما زالت تحمل ندوب الصراع، لا يصرخ الناس طلباً للسياسة، بل للعودة إلى الحياة الطبيعية – لبناء منازلهم، وتربية أطفالهم، وكسب لقمة عيشهم بسلام.
يدرك الشرع ذلك. ويضغط لإطلاق برامج طارئة تركز على خلق الوظائف في الزراعة، والصناعة، والبناء، والخدمات العامة.
قال: “لم يعد الأمر أيديولوجياً. الأمر الآن هو إعطاء الناس سبباً للبقاء، وسبباً للحياة، وسبباً للإيمان.”
ويدعم شراكات مع مستثمرين إقليميين، ومنحاً صغيرة للعائدين، وتدريباً مهنياً للشباب الذين لم يعرفوا سوى الحرب.
ويضيف: “لن يُبنى استقرار سوريا بالخطب أو الشعارات – بل بالفعل: في الأسواق، وفي الصفوف الدراسية، في المزارع، وفي الورشات. سنعيد بناء سلاسل التوريد. وستعود سوريا لتكون مركزاً للتجارة.”
ما وراء هذه الرؤية الاقتصادية إدراك عميق: بعد جيل من الخسارات، السوريون تعبوا من الحرب. إنهم يتوقون إلى السلام – لا مجرد غياب الحرب، بل حضور الفرص.
“كل شاب يجد عملاً هو روح أقل معرضة للتطرف”، قال الشرع. “وكل طفل في المدرسة هو صوت لصالح المستقبل.”
وفي واحدة من أكثر فقرات حديثنا حساسية، تحدث الرئيس عن مستقبل العلاقة مع إسرائيل – موضوع يؤرق المنطقة منذ 1948 واشتد مع كل غارة جوية وعملية سرية واتهام بالحروب بالوكالة.
قال: “أريد أن أكون واضحاً. يجب أن تنتهي مرحلة القصف المتبادل اللامنتهي. لا تزدهر أي أمة وسماؤها مليئة بالخوف. الحقيقة أننا نواجه أعداء مشتركين – ويمكننا أن نلعب دوراً رئيسياً في أمن المنطقة.”
عبّر عن رغبته في العودة إلى روح اتفاق فصل القوات عام 1974 – ليس كخط هدنة فقط، بل كأساس لضبط النفس المتبادل وحماية المدنيين، خاصةً الدروز في جنوب سوريا والجولان.
“دروز سوريا ليسوا بيادق. إنهم مواطنون – متجذرون بعمق، أوفياء تاريخياً، ويستحقون كل حماية قانونية. سلامتهم غير قابلة للتفاوض.”
وعلى الرغم من أنه لم يطرح تطبيعاً فورياً، أبدى انفتاحه على محادثات مستقبلية تستند إلى القانون الدولي والسيادة.
“السلام يجب أن يُنتزع من خلال الاحترام المتبادل، لا الخوف. سنتفاعل حيثما يوجد الصدق وطريق واضح للتعايش – وسنبتعد عن أي شيء أقل من ذلك.”
ربما كانت أكثر تصريحاته لفتاً للانتباه هو رغبته الجريئة في لقاء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
قال: “بغض النظر عن صورة الإعلام له، أراه رجل سلام. لقد أطلق النار علينا العدو نفسه. ترامب يفهم النفوذ، والقوة، والنتائج. وسوريا تحتاج وسيطاً نزيهاً يمكنه إعادة ضبط المحادثة. إذا كانت هناك إمكانية للتقارب تساعد في جلب الاستقرار للمنطقة – والأمن لأمريكا وحلفائها – فأنا مستعد لذلك الحديث. هو الوحيد القادر على إصلاح هذه المنطقة، لبنة بعد لبنة.”
كان تصريحاً لافتاً – ليس فقط لصراحته، بل لما يعنيه: سوريا الجديدة لا تخاف اتخاذ خطوات غير تقليدية سعياً للسلام والاعتراف.
الشرع لا يجمّل التحديات: أكثر من مليون قتيل في مقابر جماعية، 12 مليون نازح، اقتصاد يحتضر، عقوبات قائمة، وميليشيات متجذرة في الشمال.
قال: “هذه ليست قصة خيالية. إنها تعافٍ. والتعافي مؤلم.”
يعترف بأن القوى الأجنبية – الصين، روسيا، إيران، تركيا، الإمارات، قطر، والولايات المتحدة – ستواصل التأثير في مسار سوريا. لكنه يؤكد أن السيادة السورية تبدأ من الإجماع السوري.
“لن نكون بيادق. ولن نكون حصناً. سنكون دولة تحكم بالشرعية، لا مجرد السيطرة. نريد من الولايات المتحدة أن تكون شريكاً – في الحكم، وفي مكافحة الفساد، وفي بناء مؤسسات على أساس النزاهة والشفافية.”
يرى كثير من السوريين في الشرع مرمّماً لا ثورياً – شخصاً يمكنه إعادة خياطة أمة مزقتها الحرب والهوية. وربما ما يميّزه هو بساطته – رفضه للعب دور الرجل القوي، رغم ماضيه المتطرف – ما يجعله رجل المرحلة.
قال لي في نهاية الحديث: “لم أسعَ لهذا المنصب لأحكم. قبلته لأن سوريا يجب أن تطوي الصفحة. وأفضل أن أشارك في كتابة هذا التاريخ – مع الآخرين – على أن أراه يُمزق مجدداً. ليس لدينا خيار سوى النجاح. يجب أن نجعل سوريا عظيمة من جديد.”
أعتقد أن ماضيه المتطرف والعنيف علمه كيف يسير نحو المستقبل. يمكنك أن تتغير. يمكنك أن تنضج. لقد تعلم من التجربة، والرؤية الواضحة تمنحه القدرة على تشكيل المستقبل. خبرته السابقة مع التطرف جعلته قادراً على حماية سوريا من الداخل – من داعش ومن يسعون لإسقاط التقدم الهش الجاري. لقد تحول من الثورة إلى الحكم، وأعتقد أنه يملك القدرة لقيادة وصياغة مستقبل حقيقي للبلاد.
وعند مغادرتي القصر الرئاسي، نظرت إلى الرجل الذي أوكلت إليه مهمة إحياء واحدة من أقدم حضارات العالم – حيث نشأت أول أبجدية. لم تكن هناك صور له على الجدران، ولا شعارات، ولا أعلام. فقط رجل يحاول أن يوحّد خريطة سوريا إلى وطن متساوٍ. يقف شامخاً، صامداً، رغم أن كل الظروف ضده – لكنه عازم.
يريد أن يبني مستقبلاً لشعبه، وللمنطقة، ولتخرج سوريا من الظلام وتأخذ مكانها الصحيح بين أمم العالم.
والزمن كفيل بالإجابة.
