“حين كذب السجّان… انتصر الإنسان”

بقلم : الإعلامي فراس الطيراوي

في زنازين الاحتلال الإسرائيلي، حيث يُختزل الزمن إلى ألم، ويُحوَّل الصمت إلى سلاح، يخوض الأسرى الفلسطينيون معارك لا تُرى بالعين، لكنها تكتب في الوجدان تاريخًا من الصمود.

من هناك خرج أسير من غزة ليعيد تعريف الانتصار، لا كسقوط جدار أو تحرر من قيد، بل كهزيمة للزيف ذاته.

 

ففي كل صباح داخل السجن، كان السجّانون يلقون عليه الجملة نفسها:

«قتلنا عائلتك كلها.»

قالوها ليحطموا قلبه قبل جسده، وليجعلوا من حبه لعائلته أداة تعذيبٍ نفسيٍّ دائم.

لم تكن الحرب على حريته فحسب، بل على ذاكرته، على صور أطفاله التي يحاول أن يتذكّرها في العتمة.

 

لكن حين خرج من الأسر، وصعد درجات منزله في غزة، حدث ما لم يتوقعه:

زوجته على قيد الحياة، أطفاله يركضون نحوه، ووالدته التي ظنّها رحلت كانت تنتظره بالدموع.

في تلك اللحظة، انهارت جدران الكذب، وسقطت رواية الجلاد، وانتصر الإنسان.

 

حرب على الوعي

 

تُظهر تقارير حقوقية أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس التعذيب النفسي كسياسة ممنهجة ضد الأسرى، ضمن ما يُعرف بـ«كسر الوعي»، عبر بثّ الأخبار الكاذبة عن العائلة، أو التهديد بالقتل، أو العزل الطويل.

غير أن هذه القصص، كقصة الأسير الغزّي، تؤكد أن الحرب على الوعي ليست متكافئة: فإيمان الفلسطيني بحقه وبمن يحبّ أقوى من منظومة القهر بأكملها.

 

بين الحقيقة والمجاز

 

ما حدث للأسير ليس تفصيلًا عابرًا، بل مرآة لجوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: صراع بين من يبني سلطته على الكذب، ومن يواجهه بالحقيقة.

في كل مرة يخرج فيها أسير إلى النور، تنكشف هشاشة الاحتلال أمام الإنسان الذي لا يُهزم.

 

ختاماً ؛ حين كذب السجّان، انتصر الإنسان.

فالحقيقة، في فلسطين، ليست مجرد كلمة، بل مقاومة.

والحبّ الذي حاولوا قتله في السجن، عاد ليهزمهم عند باب البيت.

*ناشط وكاتب عربي فلسطيني عضو الامانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام / شيكاغو .