“حين يتقدّم الجيل… وتتنفّس فتح من جديد”

 بقلم: د. منى أبو حمدية

أكاديمية و باحثة
– “حين تتكلّم الريح… وتنهض الكلمات من صمتها”

في اللحظات التي تتزاحم فيها الأسئلة وتضيق فيها الحكاية على اتساعها، تولد الكلمات احياناً كنسمةٍ هادئة، تخفي في طيّاتها عاصفةً من المعاني. هكذا بدا خطاب الرئيس الفلسطيني خلال مؤتمر شبيبة فتح؛ لم يكن مجرّد وقوفٍ على منصة، بل كان محاولة لإيقاظ الروح في جسدٍ أنهكته السنوات، وإعادة لصق الشقوق التي نالت من بيت الحركة، سياسياً وتنظيمياً.
لقد جاء الخطاب وكأنه خيطٌ دافئ يمتد بين القيادة والجيل الجديد، يعيد الوصل بعد طول انفصال، ويهمس بأن المستقبل لا يُصنع بالتاريخ وحده، بل بمن يحملون الشعلة الآن… من الشباب.

– “عودة الروح إلى البيت الفتحاوي: جيلٌ يصوغ الملامح ويعيد ترتيب الحكاية”

في كلمات الرئيس، كان ثمة ما يشبه الإعادة الخلّاقة لملامح فتح الأولى؛ تلك الحركة التي صنعت الرواية الفلسطينية وحملت مشروعها الوطني على كتفيها. بدا وكأن الخطاب يعلن عودة الوعي، وترميم الشرعية، وإحياء فكرة البيت الواحد الذي يتقوّى باختلاف أبنائه لا بتنازعهم.

كانت الرسالة الداخلية صريحة وإن جاءت بلباقة: على فتح أن تعود إلى ذاتها، إلى جذورها التي جعلتها مظلةً جامعة لا منصةً متباعدة الشظايا. استعادة القيادة ليست ترفاً تنظيمياً، بل شرطٌ لاستعادة الدور في لحظةٍ تحتاج فيها الساحة الفلسطينية إلى صوتٍ قويّ ومتماسك.
والشباب، الذين حضروا في الخطاب كقوة فاعلة، كانوا في الحقيقة محور هذه الدعوة؛ فهم ليسوا زخرفةً تنظيمية ولا جمهوراً للتصفيق، بل هم العمود الفقري لمرحلة جديدة تتطلب شجاعة التجديد ونظافة الرؤية.

أما الرسالة للخارج، فقد كانت أكثر عمقاً مما يبدو: إن فتح ما تزال قلب المشروع الوطني، مهما حاول البعض دفعها إلى الهامش أو مصادرة دورها. فالحركة التي تحتضن تاريخ الثورة، ما تزال قادرة على تجديد ذاتها وخلق توازنات جديدة تعيد الاعتبار لحلم الدولة والحرية.

وفي قلب المشهد، برز الشباب كقوة قادرة على فتح الأبواب المغلقة، وكإرادةٍ تحمل طاقةً لا تنضب لإعادة بناء التنظيم وإعادة ترتيب البيت الفتحاوي على أسس أكثر رؤيةً وتماسكاً. لقد قدّم الخطاب صورةً للعالم تقول إن الحركة لا تكتفي بترديد الأمجاد، بل تستعد لتجديد دمائها، ووضع الجيل الجديد في موقع الفعل لا الانتظار.

ومع ذلك، فإن الامتحان الحقيقي ما يزال أمام الحركة. فالكلمات—على جمالها—تبقى ظلاً خفيفاً ما لم يلحقها فعلٌ ملموس.
إن نجاح هذا المؤتمر مرهون بالقدرة على تحويل الوعود إلى إجراءات:
تمكين الشباب، إصلاح الهياكل، وتضييق الهوّة بين القيادة والقاعدة التنظيمية. عندها فقط سيُكتب لهذا الحدث أن يكون بداية عهدٍ جديد، تستعيد فيه فتح صورتها التي عرفها الناس: حركة تصنع الطريق ولا تنتظر أن يُرسم لها.

وفي الختام؛ ليس الخطاب هو ما يغيّر التاريخ، بل اللحظة التي يصدّق فيها الناس ما قيل لهم، ويتحوّل القول إلى مسارٍ جديد. واليوم، تقف فتح أمام مفترق يستدعي جرأة التجديد وصدق الوفاء لدماء الشهداء وتضحيات الأجيال. وإذا ما حمل الشباب الراية بوعيٍ ومسؤولية، فإن الحركة ستعود لتكون كما كانت: نبضاً للمشروع الوطني وقلباً للبيت الفلسطيني الكبير.

– رسالة موجهة إلى الشبيبة:

يا أبناء الشبيبة الفتحاوية،
أنتم لستم امتداداً فقط… أنتم بداية النور القادم
أنتم الجسر بين الأمس والغد، والعيون التي ستكمل رؤيةً لم تكتمل بعد.
إن حركتكم اليوم بحاجة إلى حكمتكم قبل حماستكم، وإلى مبادرتكم قبل انتظاركم.
لا تسمحوا أن تكونوا جمهوراً لمشهدٍ يُعاد؛ بل كونوا صُنّاع مشهدٍ جديد.
اجعلوا صوتكم طريقاً، وأفكاركم فعلًا، وإيمانكم بالحركة التزاماً بنهضتها.
فإن نهضت الشبيبة… نهضت فتح.
وإن نهضت فتح… نهض الوطن