ما كنت أرغب برؤية رئيس “حماس” بالخارج الاخ خالد مشعل يتحدث بهذا الشكل أو الصيغة التي واجهنا بها حيث حارت الكلمات بين شفتيه، وغابت الجمل المؤدية للغرض عن فقرات خطابه يوم 7/10/2024 ورغم محاولته بث روح الاطمئنان والتحفيز والأمل في نفوس الجميع ك”حماس، و”جبهات المقاومة”، ومن ورائهاالجماهير فإنه باعتقادي كان في موقف لا يُحسد عليه من اندحار الكلمات المؤدية للغرض، ما أوقعه بحيرة وارتباك أدت لتناقضات الجمع بين ما لايمكن جمعه، كما أبرزت ما رغب أن يخفيه من حالة ضعف استشرت بجسد “حماس” .
كان الأجدر بخالد مشعل وهو القيادي المجرب والأصيل داخل “الأخوان المسلمين” وفي “حماس” أن يكون أكثر قوة واكثر اقناعاً فيما يطرح (لا سيما أن المرءُ بأخيه كثيرٌ-كما يقول المثل) خاصة وذكرى السابع من أكتوبر وتواصل العدوان بل وتوسعه الى الساحة اللبنانية دون ظهور بصيص أمل لتحقق أهداف الطوفان الاولى بتحرير القدس والأقصى أو بتحقيق الدولة الفلسطينية، أو الأهداف المتواضعة اللاحقة بخروج المحتل من قطاع غزة، بعد أن سواها المحتل الغاشم بالارض وجعل منها خرابًا وصفصفًا خاوية مع عدد مهول من الشهداء المدنيين العزل.
إن كان من سعي الرجل وهدفه بعث روح الامل، ورفع المعنويات وباستخدام كل ما يملك من قوة كلامية كان يتصف بها، فإنه قد اخفق هذه المرة رغم استدلاله بآيات كريمة، ومقاربات لا تتفق مع حجم وضخامة العدوان الصهيوني الامريكي الحالي، إذ نحن في أتون حرب عالمية نقف فيها بلا ظهير، والآخر يمتلك كل ادوات القوة العسكرية والاقتصادية غيرالمحدودة.
دعوني أتحدث فقد بنقاط ثلاثة كانت فاقعة بخطابه النقطة الاولى حين حاول التقليل من حجم الخسائر البشرية بتبرير لم يستطع أن يهضمه لا هو باعتقادي ولا من استمع له، فبعد أن عبر عن الفخر بالتضحيات وبث روح الطمانينية أن النصر قادم وأن الفلسطينيين قدوة للعالم، ما نتفق معه به قطعًا فإنه جنح للتقليل والتضعيف من حجم المعاناة والشهداء حينما اعتبرهم للأسف “خسائر تكتيكية” ومؤكدًا لمن قد تبدو لديه شبهة في ذلك أن الموت والألم خسائر تكتيكية، وما أظنها كذلك في ظل عدم تحقق الهدف المطروح لا في اليوم الاول، ولا المطروح اليوم فتكون هذه السقطة واضحة المعالم مقابل اعتباره أنه انتصر-ويجب أن نعيد تعريف معنى النصر ثانية- لأن “خسائرهم استراتيجية”، والتي اعتبر أنها ظهرت بالعجز والانكشاف وعدم ثقة الإسرائيلي بنفسه وخسارته على كل الصعد! وأظن أن الحقائق على الأرض قد تقول غير منطوق هذا الخطاب.
اما النقطة الثانية التي جاءت عقب سقطة “خسائرنا التكتيكية” أي بحجم الضحايا، فهي محاولة التبرير بالقول ان “كل الشعوب دفعت الأثمان الباهظة على طريق التحرير، وفي النهاية لشعوب انتصرت”، وهي مقاربة لا تتفق مع واقع الحال حيث ميزان الخسارة البشرية الحاصلة في هذه الحرب (الصهيو-امريكية) العالمية ضد الفلسطيني لا تنطبق مقارنته لا حجما ولامساحة ولاعددًا ولا زمنا ولا تفرقًا ولا جبروتًا بتجارب او ثورات الشعوب الاخرى. ولمن يقرأ أن يعتبر ويتعظ عوضًا عن أن انتصار الشعوب لا يتحقق هكذا بشكل عشوائي أو بقانون ليس له قواعد والتي أهمها وجود القيادة الموحدة وحسن إدارة هذه القيادة للمعركة، وقدرتها على الفهم أولًا للمتغيرات، وعلى التعلم وعلى أخذ العظة والعبر، والتقدم والمراجعة والنقد الذاتي وتغيير التكتيكات مما هو ملزمة به هذه القيادة ما لم يأت على ذكره قط، وكأننا لم نستفِد شيئًا وعام انقضى والمطرقة فوق رؤوسنا ولا مستمع لصراخ اليتامى والارامل والجرحى والثكلى.
وفي النقطة الثالثة حيث بدت الحيرة في كلامه كبيرة لم يستطع أن يرسم مخرجًا واضحًا من “المعركة التي فرضت علينا” كما قال، ولم يقدم خطة او بناءً متكاملا وصلبا يصل ويربط بوضوح ما بين العمل العسكري والعمل السياسي في هذه “المعركة المصيرية” حين طالب بفتح “جبهات جديدة للمقاومة” ما يعني عمليًا عدم كفاية الجبهات المفتوحة، وعدم مقدرتها على تحقيق الانتصار الذي يرى تحققه في كل خطابه بتناقض واضح. وهو يعلم أن بقية الأمة التي خاطبها بفتح جبهة جديدة للمقاومة (يقصد العسكرية) لا تستمع له لأسباب عديدة منها ضعف أو عدم كفاية الجبهات المفتوحة أمام آلة الحرب الصهيوامريكية العاتية، وثانيها أن أهداف الآخرين وهو يعلم ذلك كل العلم لا تتفق مع طرحه، وهذا ما حدا به لطلب فتح جبهات سياسية! هي بالحقيقة مفتوحة لكنه لا يريد الاعتراف بانجازاتها بالسياسة والقانون والدبلوماسية.
وفي الختام حين حاول أن يضع برنامج عمل أو خطة فإنه توجه للجماهيربالمطلق، وليس ل”حماس”، اوجبهات المقاومة، ولا للفصائل الأخرى ولا لمنظمة التحرير الفلسطينية التي أهملها كليًا طالبًا تحت شعار”ان ننتصر بهذه المعركة” قائلًا عليكم –أي كل الجماهير-أن تعودوا الى الميادين وأن تتم ممارسة الضغط السياسي، وأن يتم تقديم الدعم المالي وموضحا أهمية معركة الاعلام والرواية، والحراك الطلابي وليعود ويؤكد على الجهاد بالنفس والسلاح وفتح جبهات إضافية أخرى.
لم أرغب برؤية نبرة اليأس او الضعف رغم كلمات الأمل، ورفع المعنويات في محيا خالد مشعل، كما حالة التردد بين الاستراتيجيات التي لا تتفق ولا يمكن وضعها في جديلة واحدة، لاسيما أنه بسقطة كبرى لم يأتِ على ذكر البيت الفلسطيني وأهمية ترتيبه وتقديمه واحدًا موحدا في مواجهة العدوان اولًا وثانيًا ليضع الأمل موضع التحقق امام الجماهير –ثم العالم- عندما ترى كل الفرقاء الفلسطينيين على قلب رجل واحد في وحدة المصير والقرار، ومن ورائهم كل الامة وحينها “لا نتوقف حتى يأتي وعد الله”.