حماس ليست لها مصلحة حقيقية في وقف الحرب ولا يهمها الشعب الفلسطيني بقدر ما يهمها استمرار وجودها واستمرار حكمها واقتسام الكعكة في البداية والاستحواذ عليها كاملة عندما تسمح الظروف.
السبت 2024/06/29
صمت دهرا ونطق كفرا، هذا الرجل الذي أدار حركة حماس على مدار 21 عاما، الحركة التي قادت الشعب الفلسطيني إلى مسار لا نرى نهاية له بسبب انقلابها الأسود وتعزيز الانقسام لصالح أجندات ومخططات إقليمية ودولية تتساوق في أغلبها مع الاحتلال الإسرائيلي، أطل علينا من جديد لينظر ويطرح أفكارا أستطيع اختصارها في أمرين أساسيين هما، أن حماس تعيش في وهم كبير وفي نفس الوقت تعيش مأزقا جديا يهدد استمرارها ووجودها.
فبعد أن خسر الشعب الفلسطيني أكثر من 37 ألف شهيد، وتجاوز المئة ألف جريح، وتم تدمير أكثر من 80 في المئة من قطاع غزة من بنية تحتية ومساكن ومستشفيات ومدارس وغيرها، لا يزال يرى هو وجماعته أن على الشعب الفلسطيني أن يستمر في هذا المسار، وأن ينتحر بشكل جماعي. وفي الوقت الذي أكد فيه أن غزة دمرت وأن الثمن الذي دفع من دماء الشعب الفلسطيني ومقدراته طبيعي لا مشكلة فيه، فإنه يريد من باقي الشعب الفلسطيني كله الانخراط في ما يسمى بالمقاومة ويريده أن يدفع أثمانا أكثر تحت مسميات وشعارات كبيرة غير قابلة للتحقيق بالمقاييس الحالية، وبعد أن بات أعظم أهداف طوفانه “العظيم” الآن وقف الحرب والانسحاب من قطاع غزة، فما بالك بتحرير فلسطين.
لقد حصر خالد مشعل رؤيته ورؤية حركته لقادم الأيام في 7 نقاط: التخلص من أوسلو وإستراتيجية المقاومة، والسيطرة على منظمة التحرير، وإعادة تشكيل المشروع الوطني والبرنامج السياسي، والدولة الفلسطينية والقيادة والمرجعية وحكومة التوافق، ووضع القدس والضفة الغربية.
أليس غريبا أن يتحدث مشعل عن كل شيء باستثناء وقف الحرب وهي النقطة الأهم؟ أليس من المعيب أن يستشهد بكلمات الناطقين باسم الاحتلال للتدليل على قوة حماس وأنه لا يمكن القضاء عليها؟
عناوين كبرى يمكن تلخيصها بأن هؤلاء الناس لا يرون في قتل الناس والقضاء على مقدراتهم أمرا جللا يجب تحاشيه، بل على العكس يرونه طبيعيا وأمرا لا بد منه في مسيرة التحرير وبغية مرضاة الله! بل كل ما يرونه هو ماذا كسبت حركتهم وكيف يمكنهم القضاء على شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني وتدمير مشروعه الوطني وإعادة بناء هذا المشروع بمقاييس حمساوية.
وفي حين يرى مشعل أن الدولة الفلسطينية بشكلها الحالي عبارة عن وهم و“دولة في الهواء” وأن الدولة يجب أن تأتي كثمرة للمقاومة وليس نتيجة للمسار السياسي الذي قرر أنه لا فائدة منه، يثبت مرة أخرى أنه وحركته لديهما قصر نظر مزمن في قراءة المشهد الدولي وفي كيفية التعاطي معه، من منظور فلسطيني بحت والنظر للقضية الفلسطينية من زوايا مختلفة تعتمد على سياسة التراكم وليس من مفهوم ضيق يعتمد على أيديولوجية منغلقة على ذاتها، لا بل ويرى بسذاجة كبيرة أن الاعترافات الأخيرة بهذه “الدولة في الهواء” جاءت ثمرة للطوفان، وليس ثمرة لعمل سياسي ودبلوماسي جاد استمر لعقود لتثبيت مفهوم السلام العادل وضد فكرة الحرب واستمرارها.
من ناحية أخرى نرى الآن بوضوح، ومن كلام مشعل، أن حماس سعت منذ التوقيع على اتفاق أوسلو لإفشاله والعمل جنبا إلى جنب مع اليمين الإسرائيلي المتطرف من أجل هذا الهدف، فحسب قوله لقد دخلنا في مرحلة ما بعد أوسلو ولا قيمة للحديث عنها الآن، وأن الواقع يفرض علينا تجاوز اتفاقية أوسلو فعليا. ولكنه يتناسى أن أوسلو هي من أسس أول كيان قانوني للشعب الفلسطيني على أرض فلسطين “وليس في الهواء” في العصر الحديث، وأدت إلى اعتراف إسرائيل بوجود الشعب الفلسطيني الذي أنكرته لعقود طويلة وكذلك اعترافها بشرعية تمثيله وبضمانة العالم أجمع، وأن حركته وصلت إلى سدة الحكم في غزة طبقا لمخرجاته، وأن اعترافات الدول هي عنصر أساسي لتثبيت الوضع القانوني لهذه الدولة على الأرض.
من جانب آخر لا يشرح لنا مشعل أو غيره كيف سيعيش الشعب الفلسطيني إذا تم القضاء على السلطة والتي تعد أهم مخرجات أوسلو والتي أخذت على عاتقها إدارة الشأن الفلسطيني من صحة وتعليم ومؤسسات، وثبتت وجوده على أرضه.. فهل يمكنه تصور البدائل، أم يفضل البقاء في إطار الشعارات النظرية الشعبوية التي لا فائدة منها!
خالد مشعل وحركته لديهما قصر نظر مزمن في قراءة المشهد الدولي وفي كيفية التعاطي معه، من منظور فلسطيني بحت والنظر للقضية الفلسطينية من زوايا مختلفة تعتمد على سياسة التراكم وليس من مفهوم ضيق
وهنا أريد أن أطمئن مشعل أن أوسلو في رأيي الشخصي، باقية. فهي طوق النجاة للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة بالرغم من كل العيوب التي تشوبها، وأن عليه أن يبذل جهدا أكبر لفهم ماهية أوسلو وضرورة التمسك بها وأسباب رفض وسعي إسرائيل للتخلص منها إلى الدرجة التي دفعتها إلى قتل رئيس وزرائها الذي كان وراء هذه الاتفاقية، وقتل ياسر عرفات رحمه الله لنفس الأسباب. فحماس وإسرائيل ومن يدعمهما من دول ووسائل إعلام سعتا لأكثر من عقدين من الزمان للتخلص منها دون جدوى، ولا يوجد سوى جهتين فقط تسعيان للتحلل من أوسلو هما اليمين المتطرف في إسرائيل وحركة حماس وأعتقد أن هذا لن يحدث!
أما بالنسبة إلى منظمة التحرير والقيادة والمرجعية وما إلى ذلك من عناوين كبرى فإن ما قاله ليس جديدا، فقد عودتنا حركته على الانقلاب دائما على كل ما تم التوافق عليه معهم في كل المحطات؛ في مكة والقاهرة والدوحة وتركيا وغيرها، حول الانتخابات والشراكة والتوافق، بأسباب واهية وأسطوانة مشروخة سئم الجميع من تكرارها، بل وانقلبوا عليها حيث يبقى هم حماس الأساس هو كيفية الاستيلاء على هذه المنظمة، وتجييرها لخدمة حماس وأجندتها والتي ستفشل بكل تأكيد في إنجازه كما فشل كثيرون قبلها ومنهم دول كبرى وأنظمة، فالقرار الوطني الفلسطيني أساس المشكلة بيننا وسيبقى مهما حاولوا.
في النهاية أقول أليس غريبا أن يتحدث مشعل عن كل شيء باستثناء وقف الحرب وهي النقطة الأهم؟ أليس من المعيب أن يستشهد بكلمات الناطقين باسم الاحتلال للتدليل على قوة حماس وأنه لا يمكن القضاء عليها؟ ولكننا بتنا نرى بناء على كل ما قاله أن حماس لا يهمها الشعب الفلسطيني بقدر ما يهمها استمرار وجودها واستمرار حكمها، ومحاولة اقتسام الكعكة في البداية ومن ثم الاستحواذ عليها كاملة عندما تسمح الظروف، وأنها ليست لها مصلحة حقيقية في وقف هذه الحرب الهمجية التي يشنها الاحتلال المجرم بحق الشعب الفلسطيني منذ ما يقارب 9 أشهر إلا بضمان بقائها ووجودها وعليه فإنها تعيش في وهم كبير بل ودخلت في مرحلة مرضية.
وأخيرا أستذكر قولا للعالم الكبير ألبرت أينشتاين حيث قال “إن الغباء هو أن تقوم بفعل ذات الشيء مرتين، بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وتنتظر نتائج مختلفة” فما بالك بمن قام بذلك خمس مرات!
- سفير دولة فلسطين في جمهورية ساحل العاج
- عن العرب اللندنية