قدم رئيس الوزراء الاسرائيلي “بنيامين نتنياهو” خطابا سياسيا اقل ما يمكن وصفه انه وقح وأين تحت قبة الكونغرس الأمريكي، المكان الوحيد تقريبا في العالم الذي يمكن ان يصفق لهذه الوقاحة الاسرائيلية، ورغم ما تمر به الولايات المتحدة الأمريكية من انتخابات رئاسية محتدمة وخاصة بعد اعلان الرئيس جو بايدن انسحابه من السباق الرئاسي، وتقدم نائبته كامالا هاريس لقيادة الحزب الديموقراطي في تلك الانتخابات، إلا أن نتنياهو ضرب بعرض الحائط بخطابه كل المنظومة القانونية الدولية ومؤسسات المجتمع الدولي وفي مقدمتها محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية في عقر بيت من يدعون حماية القانون الدولي والإنساني في العالم.
تحليل مضمون خطاب نتنياهو يحمل بطياته رسائل وقحة على كافة المستويات، مستفيدا من معرفته الجيدة للمزاج العام للحزب الجمهوري خاصة والشارع الامريكي عامة، اهم تلك الرسائل:
أولا، استخدم مصطلحات الدعاية الصهيونية التاريخية سواء دعايات النشأة الصهيونية، مثل ان اسرائيل امتداد للحضارة الغربية في وجه الشرق البربري، مع استخدام مصطلحات دينية تاريخية من الكتاب المقدس، مثل (المكابيين، أرض اسرائيل، وحق اليهود بها كون سيدنا ابراهيم واسحاق ويعقوب صلوا بها وحكمها الانبياء داود وسليمان)، كون نتنياهو متاكد ان هذا وتر حساس لدى تيار كبير داخل الحزب الجمهوري، ويناغم تيار انجليكاني مؤثر في الولايات المتحدة الأمريكية، بل وقاحة نتنياهو وصلت إلى اتهام قلاع العلم والنضج والتفكير العلمي وهي الجامعات الامريكية وخاصة جامعة هارفرد الذي اتهمها بمعاداة السامية، رغم ان غالبية الجالسين في قاعة الكونغرس خريجين من بتلك الجامعات.
ثانيا، كما العادة نتنياهو المولع بالاعلام والتأثيرات البصرية المساندة لخطابه لتعميق وصول رسائله، لذلك استحضر نماذج
من الاسرائيليين إلى قاعة الكونغرس، ولعب على وتر تحويلهم إلى قصة انسانية لاجبار المستمعون التعاطف معهم، ومن جهة اخرى تنوع تلك النماذج من الاثيوبي إلى البدوي إلى اليهودي الشيكنازي، ليقنع المستمعون بديموقراطية اسرائيل التي تتهمه الجماهير والنخب الاسرائيلي بان نتنياهو وحكومته فاشية دينية ضد الديموقراطية حتى قبل الحرب على غزة اثناء الانقلاب القضائي.
ثالثا.نتنياهو حاول نفي تهمة ان جيشه ما هو الا مجموعة من مجرمي الحرب وان حربه ما هي الا ابادة جماعية، واراد أن يقدم مرافعة ضد محكمة العدل الدولية، واعتبار تلك الحرب المجرمة باجماع دولي ما هي الا حرب دفاع عن النفس، بل هاجم بشكل مباشر محكمة الجنايات الدولية، وهنا يبرز فعليا قلق نتنياهو اصدار اوامر اعتقال له من قبل محكمة الجنايات الدولية، محاولا تجاهل ان اسرائيل ما هي الا كيان موجود في قفص الاتهام الدولي بتهمة الابادة الجماعية .
رابعا، رسالة نتنياهو الأهم تمركزت برؤيته لليوم التالي للحرب، الذي بات واضحا أنه سيتأخر طويلا لان اليوم الحالي حسب رؤية نتنياهو مازال طويلا لان المقاومة الفلسطينية لن تنكسر مادام هناك احتلال على أرضها، أما
رؤيته لليوم التالي للحرب فهي رؤية نظرية اي دارس سياسة مبتدئ، يدرك ان تحقيقها غير ممكن تنفيذه على أرض الواقع، لانه من دون حل القضية الفلسطينية وانهاء الاحتلال، لن ينتهي الصراع، وان ما يطرحه ما هو الا سيطرة اسرائيل عسكريا وامنيا على قطاع غزة، وكل ما طرحه عن تحالفات اسرائيل الاقليمية لا يمكن تسويقها اقليميا.
اما بالنسبة للفلسطينيين نتنياهو يريد تشكيل فلسطيني جديد بلا هوية ولا قضية ومتعاون ايدلوجيا مع الاحتلال وهذا لم تنجح به اسرائيل منذ عام ١٩٤٨م ولن تنجح به لا على مستوى الفكر او حتى على مستوى الممارسة السياسية.
خامسا، لعب نتنياهو على وتر ايران، وربط حماس والمقاومة الفلسطينية وجبهات الاسناد في لبنان واليمن والعراق بايران، وقبل كل ذلك أكد ان ايران خطر وتهديد على امريكا أولا، ولذلك قتال اسرائيل للمقاومة الفلسطينية ما هو إلا خدمة لامريكا لذلك قال نتنياهو: ” نحن لا نحمي أنفسنا فقط بل نحميكم ايضا” تأكيد على دور اسرائيل الوظيفي للامريكان في الشرق الاوسط.
في الخلاصة، نتنياهو مازال مصمما على مواقفه السابقة المتمسكة باكذوبة النصر الساحق عن طريق الضغط العسكري، وخطابه في الكونغرس ما هو الا شراء مزيد من الوقت لذبح الفلسطيني بمباركة امريكية، ويسعى لاستعادة شرعية مواصلة القتال، وينسى انه وجيشه يمارسون ابادة جماعية ضد اهل غزة منذ عشرة اشهر،وأن الوقت لا يمر ومازال يتكلم وكانه في اليوم الثامن من اكتوبر.