يعد اتفاق الفصائل الفلسطينية، فى حوارها الذى استضافته الصين، على تشكيل حكومة وفاق وطنى مؤقتة، خطوة مهمة للتصدى لسيناريوهات إسرائيل المعلنة التى تتوهم أنها ستملأ بها الفراغ فى غزة بعد الحرب، لا سيما أن هذه الحكومة المتفق عليها، وتنشأ بقرار من الرئيس بناء على القانون الأساسى الفلسطينى المعمول به، ستمارس سلطاتها وصلاحياتها على الأراضى الفلسطينية كافة فى الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
لقد أدرك الفلسطينيون أخطار المحاولات الإسرائيلية لفرض طريقة فى إدارة غزة بعيداً عن «حماس»، سواء كانت عودة الاحتلال الكامل للقطاع، أو وجود قوة عربية مشكلة من عدة دول، أو إسناد الأمر إلى السلطة الفلسطينية مع استبعاد كامل لفصائل المقاومة الحاملة للسلاح الآن، ولذا لم يكن أمام الفلسطينيين من سبيل لقطع الطريق على الخطط الإٍسرائيلية سوى تشكيل هذه الحكومة، لا سيما أنها ستأخذ على عاتقها إعادة إعمار قطاع غزة، والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات الفلسطينية المركزية بأسرع وقت وفقاً لقانون الانتخابات المعتمد.
نعم، كانت الخطط الإسرائيلية معلقة فى الفراغ، أو متعثرة لأنها تعتمد على حسم تام للمعركة لصالح «تل أبيب»، وهو ما لم يتم، وتتطلب كذلك موافقة أطراف عربية تسند إليها إدارة القطاع، لكن ترك الأمور عند هذا الحد دون أن يطرح الفلسطينيون حلاً ينبع من ذاتهم، ويعبر عن مصلحتهم، ويمنع تصفية قضيتهم، كان يشكل خطراً داهماً عليهم.
وما يعزز دور الخطوة الفلسطينية فى ملء الفراغ أن الفصائل التى اجتمعت فى الصين لم تغادر من تنظيمات الفلسطينيين أحداً؛ حيث حضرت حركة التحرير الوطنى الفلسطينى (فتح) وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحركة الجهاد الإسلامى، وحزب الشعب الفلسطينى، وجبهة النضال الشعبى الفلسطينى، وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، والجبهة الشعبية – القيادة العامة، والاتحاد الديمقراطى الفلسطينى (فدا) وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية، والجبهة العربية الفلسطينية، وطلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة).
أما القرارات فقد جاءت لتخدم هذا المسار المهم، إذ اتفقت الفصائل على الوصول إلى وحدة وطنية فلسطينية شاملة تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة فى إطار منظمة التحرير، وتفعيل وانتظام الإطار القيادى المؤقت الموحد للشراكة فى صنع القرار السياسى وفقاً لما تم الاتفاق عليه فى وثيقة الوفاق الوطنى الفلسطينى الموقعة فى القاهرة بتاريخ 4 مايو 2011، حتى يتم تشكيل المجلس الوطنى الجديد من أجل تعميق الشراكة السياسية فى تحمل المسئولية الوطنية، ورفض كل أشكال الوصاية ومحاولات سلب الشعب الفلسطينى حقه فى تمثيل نفسه أو مصادرة قراره الوطنى المستقل، والالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، طبقاً لقرارات الأمم المتحدة، وضمان حق العودة طبقاً لقرار 194، وحق الشعب الفلسطينى فى مقاومة الاحتلال وإنهائه وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
وما يسهم فى أهمية هذه الخطوة أنها كسرت الجفاء بين السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة، وجعلت الطرفين يتبادلان التفاهم فى ظل اللحظة الراهنة، بعد أن كانت السلطة توجه انتقاداً شديداً لإطلاق حماس «طوفان الأقصى» يصل إلى حد الإدانة، وكانت «حماس» تغمز فى قناة السلطة وتراها متواطئة أو على الأقل صامتة على العدوان الإسرائيلى.
وما يؤكد كسر الجفاء أن الفصائل الفلسطينية اتفقت على نقاط مهمة أيضاً، منها: التمسك بوحدة الأرض الفلسطينية، ومتابعة تنفيذ اتفاقيات إنهاء الانقسام، وتوحيد الجهود الوطنية لوقف حرب الإبادة الجماعية التى تنفذها دولة الاحتلال وقطعان المستوطنين بدعم ومشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، ومقاومة محاولات تهجير الشعب الفلسطينى، والإقرار بحق مقاومة الاحتلال لتقرير مصير الفلسطينيين، وفك الحصار على غزة، ودعم وإسناد الصمود البطولى للشعب ومقاومته الباسلة.