السياسي – منذ خمس سنوات، دخل المغرب منعطفا دبلوماسيا جديدا بتوقيعه إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة، اتفاقا ثلاثيا أعاد العلاقات الرسمية بين الرباط وتل أبيب، في سياق إقليمي اتسم آنذاك بتسارع موجة التطبيع برعاية أمريكية، ضمن ما سمي بـ «الاتفاقيات الإبراهيمية».
الاتفاق الذي وُقّع نهاية سنة 2020، شكّل حدثا سياسيا بارزا داخل المغرب وخارجه، وأثار نقاشا واسعا حول أبعاده السياسية والاستراتيجية، وحدود تأثيره على موقع المملكة المغربية إقليميا ودوليا، كما فتح بابا واسعا للتأويل؛ بين من اعتبره خيارا سياديا تحكمه منطق المصالح العليا للدولة، ومن رأى فيه خطوة إشكالية بالنظر إلى مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي المغربي.
ومنذ استئناف العلاقات، شهدت الروابط المغربية ـ الإسرائيلية تطورا متسارعا شمل مجالات متعددة، من التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، إلى التنسيق الأمني والعسكري، مرورا بالسياحة والثقافة والبحث العلمي. هذا المسار تواصل بتبادل زيارات رسمية بين مسؤولين من الجانبين، وبتنامي التواصل بين فاعلين اقتصاديين ومدنيين، في إطار دينامية اعتُبرت غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين المغرب و»إسرائيل».
غير أن مرور خمس سنوات على توقيع الاتفاق، في 22 من كانون الأول/ ديسمبر 2020، يتزامن مع سياق إقليمي ودولي مختلف، عنوانه الأبرز معركة «طوفان الأقصى»، التي أعادت القضية الفلسطينية بقوة إلى صدارة الاهتمام الدولي. هذا التطور الميداني والسياسي لم يقتصر أثره على الأراضي الفلسطينية فحسب، بل أعاد طرح أسئلة عميقة حول مسار اتفاقات التطبيع في المنطقة، ومدى قدرتها على الصمود أمام تحولات الواقع، وتصاعد التوترات، واتساع رقعة الرفض الشعبي في عدد من الدول.
في المقابل، يقدّم رشيد لزرق، رئيس «مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية» قراءة مغايرة للاتفاق الثلاثي المغربي ـ الأمريكي ـ الإسرائيلي، معتبرا إياه اختيارا استراتيجيا عقلانيا يستند إلى منطق المصالح العليا للدولة لا إلى منطق الشعارات.
ويرى أن المغرب نجح، عبر هذا الاتفاق، في تحويل ملف الصحراء من نزاع إقليمي مُجمَّد إلى قضية تحظى بسند دولي وازن، بعد حصوله لأول مرة على اعتراف قوة عظمى وعضو دائم في مجلس الأمن بسيادته على أقاليمه الجنوبية، حيث أعاد الاتفاق ترتيب موازين القوة الدبلوماسية، ورفع كلفة أي مسعى دولي يناقض الطرح المغربي. كما عزّز مصداقية خيار الحكم الذاتي باعتباره الحل الواقعي والعملي للنزاع، وهو ما تُرجم لاحقا بتوسع دائرة الدعم الدولي لهذا المقترح.
وعلى المستوى الجيو- سياسي الأوسع، يعتبر لزرق أن الاتفاق مكّن المغرب من تنويع شراكاته الاستراتيجية والتموقع كفاعل إقليمي محوري يجمع بين العمق الإفريقي، والانفتاح المتوسطي، والعلاقات المتقدمة مع الولايات المتحدة و»إسرائيل»، دون التفريط في التزامه التاريخي تجاه القضية الفلسطينية.
ويؤكد أن المغرب، في هذا الإطار، لم يغيّر ثوابته، بل اعتمد دبلوماسية متعددة المسارات توازن بين الواقعية السياسية والشرعية التاريخية، مستثمرا التطبيع كأداة لتعزيز الأمن، ونقل التكنولوجيا، وجذب الاستثمار، وتقوية قدراته الدفاعية في بيئة إقليمية مضطربة. وأكد أن الاتفاق «لا يُقرأ كتنازل، بل كترجمة لسياسة خارجية براغماتية تُدير التعقيد بدل الهروب منه، وتُراكم المكاسب بدل الارتهان للجمود».
بخلاف ذلك، يبرز في الشارع المغربي صوت رافض للتطبيع، تجلّى مجددا في إحياء الذكرى الخامسة لإعلانه. ففي هذا السياق، نظمت «مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين/المغرب» وقفة أمام البرلمان، إلى جانب مسيرة شعبية في مدينة طنجة، تعبيرا عن الرفض الشعبي المتواصل للصهيونية ولكل أشكال التطبيع معها، وتجديدا للاعتراض على سياسات تعتبرها متعارضة مع إرادة الشعب وقيمه التضامنية. وقال رشيد فلولي، عضو السكرتارية الوطنية لـ «مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين»، إن المسيرة تشكل «صرخة أخرى للدولة والمسؤولين في ذكرى الشؤم»، مؤكدا أن «الشعب المغربي، مع المقاومة وضد التطبيع، ويرفض استمرار العلاقات مع إسرائيل. وأضاف أن المغاربة سيواصلون الدفاع عن الأقصى وفلسطين إلى حين وقف التطبيع»، بحسب تعبيره.
وإلى جانب الحراك الشعبي، عبّرت «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» عن موقفها من خلال دعوة مختلف مكونات الأسرة التعليمية، من كوادر تربوية وإدارية ونقابية وطلابية، إلى التحلي بأقصى درجات اليقظة والوعي، ومواجهة ما وصفته بالمخططات الصهيونية ومحاولات المتاجرة بالقضية الفلسطينية.
وحذّرت الجمعية من مساعٍ ترمي إلى «تفريغ» المنظومة التربوية المغربية من قيم التضامن، والتمهيد لتكريس «التطبيع» داخل المدرسة. وبمناسبة الذكرى الخامسة لتوقيع اتفاقيات التطبيع، وجّهت نداء صريحا دعت فيه إلى مقاطعة أي شكل من أشكال التبادل أو التعاون الثقافي والعلمي بين المؤسسات التعليمية المغربية ونظيرتها الصهيونية، مع التأكيد على ضرورة تحصين الأجيال الناشئة من الاختراق، وفضح المخططات التطبيعية والانتهاكات المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني.
كما حذّرت الجمعية من محاولات ممنهجة لتزييف الحقائق وتسطيح وعي المتعلمين، والسيطرة على الذاكرة الجماعية بهدف إبعاد القضية الفلسطينية عن وجدان الناشئة، وتوجيه المناهج والبرامج وفق أجندات تخدم سياسات الكيان الصهيوني.
ودعت، في المقابل، أسرة التعليم ومؤطري الأندية التربوية إلى تكثيف الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية، وفتح نقاشات تحسيسية داخل المؤسسات التعليمية، تعبيرا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يعيش أوضاعا إنسانية قاسية تحت وطأة الاحتلال والحصار.
وفي السياق ذاته، أعلن المكتب التنفيذي لحركة «التوحيد والإصلاح» مواصلة متابعته لتطورات القضية الفلسطينية، في ظل ما وصفه باستمرار خرق الاحتلال لاتفاقات وقف العدوان، وتصعيد سياسة الاغتيالات، واستمرار معاناة الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، تحت وطأة الحصار الخانق، والظروف المناخية القاسية، وضعف حجم ونوعية المساعدات الإنسانية.
وأمام هذه الأوضاع، جدّد المكتب التنفيذي تضامنه المطلق مع الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة، داعيًا الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياتهم القانونية والإنسانية لوقف العدوان، وضمان الإغاثة العاجلة، وحماية المدنيين، مع تحميل الوسطاء مسؤولية إلزام الاحتلال باحترام تعهداته ووقف جرائمه في غزة والضفة والقدس.







