دراسات في مناهج النقد الأدبي – المنهج البنيوي التكويني.

 د. عدنان عويّد

في المفهوم:

البنيويّة التكوينيّة أو التوليديّة: هي فرع من فروع البنيويّة، وتُعد من مناهج ما بعد البنيويّة، حيث جاءت لسد ثغرات المنهج البنيوي, وهي تجمع ما بين البعد الاجتماعي والبعد اللغوي. أي ما بين الشكل والمضمون.

لقد نشأت البنيويّة التكوينيّة استجابة لسعي بعض المفكرين والنقاد الماركسيين وعلى رأسهم  الفرنسي “لوسيان غولدمان” للتوفيق بين أطروحات البنيويّة في صيغتها الشكلانيّة من جهة، وأسس الفكر الماركسي الجدلي من جهة أخرى، والذي يركز على التفسير المادي التاريخي لعموم الفكر والثقافة. فالتفكير الماركسي من هذا المنطلق, يتجاوز مفهوم البنية المغلقة للنص الأدبي، ويحاول في الوقت ذاته ربط النص الأدبي بسياقه الاجتماعي والتاريخي.(1).

أعلام البنيويّة التكوينيّة:

لقد كان للفيلسوف والمفكر المجري “جورج لوكاتش” الأثر الكبير في صياغة الاتجاه البنيوي التكويني إلى جانب عالم الاجتماع الفرنسي “بيير بورديو”. لقد سعى “لوكاتش” إلى الربط بين التطور الاجتماعي والتطور الأدبي في مضامينه وأشكاله, مما أدى إلى تحقيق نقلة نوعيّة في (علم الاجتماع الأدبي)، اعتمد عليها أبرز منظري المنهج البنيوي التكويني وعلى رأسهم “لوسيان غولدمان”.(2). الذي سعى إلى تأسيس منهج عقلاني لدراسة الواقع الإنساني، فاستقى فرضياته ومرتكزاته النظريّة من المنهج الماركسي, مع أطروحات فلسفيّة “لكانط وهيغل” وآراء “بياجيه”، إضافة إلى اعتماده الأساس على آراء “لوكاتش”، وكان هدفه من ذلك كله, هو إيجاد بديل علمي لبنيويّة “ليفي ستراوس”، وفلسفة “ألتوسير”.(3). (لقد أطلق “غولدمان” فكرة “رؤية العالم” التي أرسى بها أسس البنيويّة التكوينيّة، حيث يرى أنّ الأدب والفلسفة تعبران عن رؤية العالم، وأنّ هذه الرؤية منعكسة عن واقع اجتماعي لا فردي، “إذ إنّها ليست وجهة نظر الفرد المتغير باستمرار، بل هي وجهة نظر ومنظومة فكر مجموعة بشرية تعيش في ظروف متماثلة).(4). هذا  ويعتمد المنهج التكويني من وجهة نظر “غولدمان” على مبدأين أساسيين، هما:

المبدأ الأول: (إنّ كل تأمل في العلوم الإنسانيّة والفكر لا يحدث من خارج المجتمع، وإنما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطبيعة الحياة الماديّة والثقافيّة للمجتمع، فالمنهج التكويني يعالج قضايا منظومة الفكر الاجتماعي بكليته، بمعنى أنه لا ينظر إلى بنية النص بمعزل عن عواملها الخارجيّة سواء أكانت اجتماعيّة أو ثقافيّة.).(5).

المبدأ الثاني: (إنّ الأساس الذي يقوم عليه الفكر الجدلي لبنيويّة التكوين، نابع من نشاطات الإنسان (الممارسة)، وأنّ كل فعل إنساني، له خاصيّة دالة ليست دائماً واضحة بالضرورة، ولكن الباحث يجب عليه عن طريق عمله إظهار هذه الخاصيّة الدالة.).(6). وعلى هذا الأساس الذي عبّرت عنه وجهة نظر “غولدمان”, فإنّ عمل الباحث أو الناقد في بنية تكوين النص الأدبي أو غيره عند قراءته له, إنما يقوم بتفسير النص من خلال تركيزه على العوامل الخارجيّة, تاريخيّة كانت أو اجتماعيّة أو سياسيّة أو ثقافيّة أو نفسيّة، فبنية النص الدلاليّة تحمل في طبعها أبعاداً فكريّة أو فلسفيّة نابعة من مخزون ثقافة مجتمع ما, ضمن إطار زمني معين، وبالتالي لابد من استنطاقها داخل النص لمعرفة مولداتها وأسباب تكوينها.

مرتكزات البنيويّة التكوينيّة:

تقوم البنيويّة التكوينيّة على أربعة مرتكزات أساسيّة، حددها “لوسيان غولدمان” تبعًا لنوعيّة وطبيعة العلاقة بين الحياة الاجتماعيّة والإبداع الأدبي، وهي علاقة تقوم على أساس التماثل أو التطابق الوجودي بين النص الأدبي، وعلاقته بالبنيات الذهنيّة لطبقة أو فئة اجتماعيّة، وتمثل هذه المرتكزات مصطلحات إجرائيّة، ومفاتيح يتسلح بها الباحث أو الناقد عند تحليله العمل الأدبي تحليلا سيسيولوجيّاً تكوينيًّا، يمكن حصرها بالتالي:(7).

1- الرؤية الشموليّة للعالم:

تعد رؤية العالم من المرتكزات الأساسيّة التي تُبنى عليها البنيويّة التكوينيّة، فيعرفها “لوسيان غولدمان، بأنّها “مجموعة من التطلعات والإحساسات والأفكار التي توحد أعضاء مجموعة اجتماعيّة أو طبقة اجتماعيّة، وتجعلهم في تعارض مع المجموعات الأخرى، حيث تمتاز الرؤية عند “غلودمان بالشموليّة والانسجام أو التماسك.(8).

2- الفهم والتفسير المادي للنص:

حيث تقوم عمليّة الفهم والتفسير على (مبدأ التكامل) بين بنية النص الداخلي وعواملها الخارجيّة الاجتماعيّة والثقافيّة والتاريخيّة والنفسيّة، فالفكر هنا يرتبط بالواقع وهو انعكاس له على حد تعبير نظريّة الانعكاس عند” لوكش”. وهذا يساهم في إنشاء بنيات دالة تنتمي إليها المجموعات أو الطبقات التي يتمثلها سلوك جماعي معين.(9).

3- البنية الدالة:

ويحددها “غولدمان” بأنها الواقع، والمضمون الاجتماعي داخل البنية النصيّة، إلا أنها تتجرد لتشكل مقولات ذهنيّة أو تصورات فلسفيّة تتحكم في مجموع بنيات العمل الأدبي التي تشكل نسيجًاً منسجمًاً شموليًاً تُعبر عنه رؤية المبدع للعالم.(10).

4- الوعي القائم والوعي الممكن:

و(يشتغلان على توضيح الصلة القائمة بين الوعي والحياة الاجتماعيّة. فالوعي القائم: هو إدراك فئة اجتماعيّة ما لوضعها الراهن سواء في علاقتها مع الطبيعة أو في علاقتها مع الجماعات الأخرى. أما الوعي الممكن: فهو أقصى ما يمكن أن يبلغه وعي الجماعة دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى إحداث تغيير في طبيعتها.). (11).

5- العلاقة الجدليّة بين بنية النص ومضمونه الاجتماعي:

وتتجلى هذه العلاقة الجدليّة في إبراز (التأثير المتبادل) القائمة بين العمل الأدبي والبينة الدالة في هذا العمل, فدور الكاتب أن يعمل على تحليل هذه العلاقة وإظهارها, أي بيان الصلة بين بنية العمل الأدبي ومضمونها الاجتماعي، إذ إنّ العلاقة بين الحياة الاجتماعيّة والعمل الأدبي علاقة جوهريّة يقوم التماثل باستظهارها والتوفيق بينهما. (12).

كاتب وباحث من سوريّة.

 

d.owaid333d@gmail.com

الهوامش:

1- (بسام قطوس – دليل النظريّة النقديّة المعاصرة، الاردن: فضاءات للنشر والتوزيع – ص 113- 114. بتصرّف.).

2- (“مرتكزات بنيويّة – لوسيان غولدمان – التكوينية”، مجلة آفاق علمية، 2009، العدد 4، المجلد 44، ص 503. بتصرّف.).

3- (موقع موضوع: البنيوية التكوينية في النقد الأدبي –  ليث بني نصر ).

4- (“مرتكزات بنيوية لوسيان غولدمان التكوينية”، آفاق علمية، 2019، العدد 4، المجلد 11، صفحة 502.).

5- ).( محمد بنيس (1985)، ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب،- مقارنة بنيوية تكوينية – الطبعة 2، بيروت: التنوير للنشر، ص 25.).

6- (المرجع نفسه- ص 25.).

7-  (موقع موضوع: البنيويّة التكوينيّة في النقد الأدبي –  ليث بني نصر ). بتصرف.

8- (المرجع نفسه. بتصرف.

9- ( “مرتكزات بنيوية لوسيان غولدمان التكوينية”، آفاق علمية ، 2019، العدد 4، المجلد 11، ص 509. نقلاً عن موقع موضوع).  بتصرّف.

10-  المرجع نفسه. ص509

11- (المرجع نفسه ص. 510.

12- المرجع نفسه. ص512 بتصرف

شاهد أيضاً