دراسة نقدية لقصيدة” يظل الأمل قائماً” للشاعر الدكتور فايز عزالدين.

د. عدنان عويّد

الدكتور فايز عزالدين, من سوريا. دكتوراه في العلوم السياسيّة. مواليد 1948 صدر له :

1- السياسة والتربية والأخلاق, ثمانية وعشرون مجلداً طبع منها تسع مجلدات, والبقية قيد الطباعة

2-  له خمسة دواوين من الشعر الفصيح والشعبي.. وعدد من الدواوين لم تزل مخطوطات ومنها قيد الطباعة.

3-  عمل مدرساً في جامعة دمشق كأستاذ محاضر.

4- مارس العديد من النشاطات الثقافية في معظم المراكز الثقافية للمحافظات السورية.

5- شارك في أكثر من مؤتمر عالمي حول قضايا الشباب.

اخترنا له هذه القصيدة من أعماله وهي بعنوان: (يظل الأمل قائماً).

البنية السرديّة أو الحكائيّة للقصيدة:

عندما يحاصرنا القهر والظلم والاستبداد والجهل وشهوة الدم, يظل الأمل قائماً فينا نحن الذين أصبحت الآلام خيوطاً من العذاب نسجت مكونات حياتنا, ولكننا لم نيأس ولن نيأس بأن نجد هناك فسحةً من الأمل لابد أن تنير لنا هذه الدروب المظلمة وتخلصنا من سيل الدماء وألوان البلاء الذي حل بنا وكانه قدر محتوم علينا.. ولكن كلما بانت بعض خيوط الأمل في حياتنا وانتعش التفاؤل والفرح والأمل بالخلاص, تعود المأساة ثانية وعاصفات من الشقاء لتهز الأمل فينا وتسحق أحلامنا من جديد… كم تمنينا أن نتجاوز واقعنا المرير المضنى, ونحقق حالة من الأمن والأمان والاستقرار, إلا أن غيوم الظلم والقهر تعود ثانية لتسرج خيول الكراهية والعداء… يقول الشاعر فايز عز الدين:

لكن… من قال إن الدرب يوماً لا

محال أن يضاء

من ذا يؤمل بعد هذا السيل من دمنا

وألوان

البلاء… ؟.

كلما أوقدت في دمي التفاؤل والفرح

هاجت على الأمل المسجى عاصفات من

شقاء

كم عنيت بكيف يحتفل الزمان

بصحوة

والغيمة السوداء تسرج عهرها الدامي

فينهمر

العداء…

نعم.. نحن لم نزل نعيش حالات سفك الدماء ووجع النصال, ونكابد الحزن ومرارته الذي خيم على كل مسامات حياتنا وقد تكسرت النصال على النصال فلم يعد هناك نضار ولا وفاء. يقول الشاعر:

إني على وجع النصال مكابد والحزن

خيّم

أسديه مرارة حتى تكسرت النصال على

النصال فلا نضار ولا وفاء…

البعد الاجتماعي في النص:

إنّ الأديب الحقيقي الملتزم بواقعه الاجتماعي, شاعراً كان أو قاصاً أو روائيّاً, لا يفصل الحالة الأدبيّة التي يشتغل عليها عن الحالة الاجتماعيّة التي تحيط به أو ينشط داخلها, لما بينهما من ترابط عضوي، وتشابك يصل إلى حدّ التماهي، إنّ الأديب الواقعي يظل جزءاً لا يتجزّأ عن محيطه ممثلاً في أسرته ومجتمعه وأمته ووطنه, فهو في كينونته ظاهرة اجتماعيّة بامتياز, تنطلق من المجتمع لتصبّ فيه، وهو الطاقة الابداعيّة التي تعكس حال المجتمع في تحوّلاته المستمرّة، وبناءً على كل ذلك هو صورة المجتمع. فليس دوره مقتصراً على تصوير الواقع وقضاياه فحسب, بل عليه أيضاً أن يعمل على تنميته وتطويره من خلال إظهار عوامل تخلفه ورسم الحلول لتجاوز معوقات هذا التخلف.

وهذا ما وجدناه جلياً عند الشاعر “فايز عز الدين, فقصيدته هي موقف انتماء لوطنه وشعبه, فالأمل لديه في الخلاص شكل موقف حياة, لا تنازل فيه للظلم والقهر والجوع والتشرد والطائفيّة.

البنية الفنيّة والجماليّة للقصيدة:

البنية السيمائيّة للعنوان:

تأتي البنية الدلاليّة لعنوان قصيدة “يظل الأمل قائماً” لتقول بأن الأمل سيظل حاضراً عند كل من تتعرض حياته للقهر والظلم والاغتراب والاستبداد والتشيىء, وأن طموحه (فرد كان أو مجتمع أو أمّة) في تحقيق أمنه وسعادته واستقراه, لا بد أن تتحقق يوما, طالما أن هناك من يؤمن بأن نيل المطالب لا يتحقق بالتواكل والتمني والخنوع والرضا بالذل, وإنما بمواجهة من يعمل على غرسها في عقولنا وقلوبنا وكأنها قدر محتوم علينا.. نعم نحن محكومون بالأمل كما يقول “سعد الله ونوس” ولكنه الأمل المسلح بالمعرفة وحب الحياة والنضال من أجل أمننا واستقرار هذه الحياة.

البنية اللغويّة للقصيدة:

لقد جاءت اللغة في القصيدة سهلةً, واضحةً, سمحةً, ناصعةً, وفصيحة, ومسبوكة الألفاظ, منسجمة مع بعضها في بنية القصيدة وخالية من البشاعة. فجودة السبك وبراعة صياغته وتسلسل عبارته وتخير ألفاظه وإصابتها لمعناها, كانت وراء سر فن التعبير في هذا النص الشعري. هكذا تتجلى رهافة وجماليّة لغة الشاعر “فايز عز الدين” في قوله:

(لكن… من قال إن الدرب يوماً لا محال أن يضاء…من ذا يؤمل بعد هذا السيل من دمنا وألوان البلاء… ؟… كلما أوقدت في دمي التفاؤل والفرح هاجت على الأمل المسجى عاصفات من  شقاء) أو في قوله: (والغيمة السوداء تسرج عهرها الدامي فينهمر العداء…)

الصورة في القصيدة:

نظراً لافتقاد قصيدة التغعيلة كثيراً إلى فنيات الشعر العمودي, إن كان في أسلوب سردها, أو موسيقاها, أو بلاغتها, أو محسناتها البديعية والبيانية, أو في تراكيب عباراتها .. وغير ذلك إلا أنها تحاول أن تعوض كل ذلك من خلال اعتمادها على الصورة الشعريّة كثيرا, الحسيّة منها والتخيليّة. وبناءً على ذلك جاءت قصيدة (يظل الأمل قائماً) معتمدة كثيراً على الصورة الشعريّة بشكل يمنح بنية القصيدة طاقاتٍ جماليّةً تساهم في نقل التجربة الشعريّة من الوصف السردي المجرد, إلى بناء علاقات مجازيّة مبتكرة عبر اللغة والتخييل.

فمن عنوان القصيدة (يظل الأمل قائما) تأخذ الصورة حضورها في بنية القصيدة لتتوالى بعد ذلك بحالة فيض كقوله: (كلما أوقدت في دمي التفاؤل والفرح…هاجت على الأمل المسجى عاصفات من  شقاء) أو في قوله: (والغيمة السوداء تسرج عهرها الدامي.. فينهمر العداء… إني على وجع النصال مكابد .. والحزن خيّم أسديه مرارة.. حتى تكسرت النصال على النصال فلا نضار ولا وفاء)…إن الصور الحسيّة والتخيليّة في هذه القصيدة غطت مساحةً واسعة من بنية القصيدة, فأضفت عليها حالاتٍ جماليّةً تشدُ المتلقي لها بما تحمله من رؤى فكريّة عميقة وجد فيها المتلقي ذاته بهذا الشكل أو ذاك, الأمر الذي أتاح للشاعر أيضاً عبر استخدامه لهذه المجموعة المتنوعة من الصور البلاغيّة, خلق جو شعري خاص. عبر عن تجربة الشاعر الداخليّة وعواطفه وأفكاره.

المستوى الايقاعي في القصيدة:

إنّ الشّعر صيغة موسيقيّة، فليس الشّعر في الحقيقة إلّا كلامًا مموسقاً، تنفعل لموسيقاه النّفوس، وتتأثّر به القلوب.  وإلى هذا ترتكز أهمّيّة الموسيقا في الشّعر، فهي تستطيع أن تُقيم بناءً مُتكاملًاً يجمع بين التّأليف القائم في أعماق أحاسيس الشّاعر، وبين غيره من المُتلقّين، في قدرة فنّيّة تجعل إيقاعات النّفس تجذب الآخرين، بواسطة هذا النّغم الشّعريّ. وإذا كان المستوى الايقاعي الخارجي يتجلى في بحور الشعر وأوزانها التي يستخدمها الشعراء. وهو – أي المستوى الخارجي – عنصراً مهماً من عناصر القصيدة، فلا يمكن فصلُه عن سواه من مُكوّناتها.

إن المستوى الداخلي للموسيقى داخل النص الأدبي, يدخل فيه المحسنات البديعيّة والبيانيّة كالجناس والطباق، وسائر المُحسّنات البديعية، مع تركيب الكلام وتتريب الكلمات وتّخيّرها، وكلّ ما من شأنه أن يُعين على تجويد البنية، والرّنين في أبيات القصيدة. وهذا ما يدل على أن الوزن ليس مُجرّد تفعيلات مُنفصلة عن المعنى، تُلقّن وتُحفظ فحسب، ولكنّه لصيق بالمعنى وغير مُنفصل عنه، ويساعد على تأكيد المعنى، وتثبيته في الذّهن، وصونه من الضّياع.

إن معظم هذه الفواعل الموسيقيّة نجدها في قصيدة “ويظل الأمل قائماً” وهي قصيدة قامت على تفعيلة ( متفاعل), حيث  استطاع الشاعر “فايز عز الدين” أن يحققها في قصيدته فجاءت القصيدة مشبعة بالمحسنات البيانيّة ،إن كان على مستوى التشبيه والكناية والاستعارة, أو على مستوى تركيب الكلام وتتريب الكلمات وتّخيّرها.

العاطفة في القصيدة:

تظهر عاطفة الشاعر جياشة في بنية القصيدة, تجاه وطنه سورية التي عاشت خمسة عشر عاماً من القتل والتشرد والدمار.. وكيف لا يتأثر وهو من حمل هم وطنه في كل مراحل عمله السياسي والإداري, وخاصة اشتغاله على هموم الشباب ومشاكلهم والسعي الدائم لرفع سويتهم العقليّة والجسديّة, وها هو اليوم يرى معظمهم بين قتيل ومشرد ومعطوب في جسده ونفسيته وأحلاقه.

كاتب وباحث وناقد أدبي من سوريا

d.owaid333d@gmail.com

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فايز عز الدين

يظل الأمل قائماً:

لكن… من قال إن الدرب يوماً لا

محال أن يضاء

من ذا يؤمل بعد هذا السيل من دمنا

وألوان

البلاء… ؟.

كلما أوقدت في دمي التفاؤل والفرح

هاجت على الأمل المسجى عاصفات من

شقاء

كم عنيت بكيف يحتفل الزمان

بصحوة

والغيمة السوداء تسرج عهرها الدامي

فينهمر

العداء…

إني على وجع النصال مكابد والحزن

خيّم

أسديه مرارة حتى تكسرت النصال على

النصال فلا نضار ولا وفاء…