مع الاقرار بان حل الدولتين فيه ظلم صارخ بالتنازل عن حقوق فلسطينية تاريخية تمثل 78% من فلسطين ، وطي ضمني لموضوع اللاجئين من 1948، الا ان ما اود مناقشته هنا لا الجانب القانوني او الحقوقي بل الدلالات السياسية للتصويت على القرار يوم امس في الجمعية العامة للأمم المتحدة :
1- تم اقرار موضوع حل الدولتين او ما تم تسميته ببيان نيويورك بأغلبية 142 دولة مقابل رفض عشر دول(على رأسهم الولايات المتحدة واسرائيل) وامتناع 12 دولة عن التصويت وتغيب 29 دولة ، وهذا يعني ان 73.57% من دول العالم تؤيد هذا القرار، وإذا حسبنا الحجم السكاني للمعارضين فانهم يشكلون 4.9% فقط من اجمالي سكان العالم .
2- كشف التصويت تباينا جديدا بين اوروبا والولايات المتحدة، فقد صوتت ” تقريبا ” كل اوروبا الى جانب القرار وبخاصة القوى الاوروبية المركزية(المانيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا واليونان)، ورغم شذوذ هنغاريا عن هذا التوجه فان التوجه الاوربي كان واضحا ومناقضا للموقف الامريكي.
3- ما يلفت الانتباه ايضا هو ان الهند التي سجلت ادنى تأييد شعبي للحقوق الفلسطينية في استطلاعات الراي الاخيرة(29%)، صوتت الى جانب القرار رغم التطور المتسارع في علاقاتها مع اسرائيل بخاصة في المجال العسكري والاقتصادي والسبراني ، ناهيك عن التزايد في اعداد العمالة الهندية في قطاع التشغيل الاسرائيلي، واشارت تقارير اسرائيلية الى بذل وزير الخارجية الاسرائيلي جدعون ساعر جهدا كبيرا لدفع الهند للامتناع على اقل تقدير لكنه فشل.
4- ساندت اليابان القرار رغم جهد اسرائيلي كبير لدفعها نحو المعارضة، لكن المصالح اليابانية والتاييد الشعبي الكبير من المجتمع الياباني تغلب على الدبلوماسية الاسرائيلية في هذا الجانب.
5- ما لفت انتباهي هو تغيب كل من ايران والعراق وتونس عن التصويت ، ويبدو ان هذه الدول (التي ليس لها علاقات مع اسرائيل وفيها قوى كبيرة مناهضة للتطبيع) شعرت ان التصويت لصالح القرار ينطوي ضمنيا على اعتراف واقعي(De facto) باسرائيل قد يُفسر على انه خطوة تمهيدية للاعتراف القانوني( De Jure)، ويبدو ان ذلك ينطبق على تغيب كل من افغانستان( وهي دولة ذات توجه اسلامي) وفنزويلا(التي تتخذ موقفا يساريا حادا من اسرائيل).
6- إذا استثنينا الولايات المتحدة واسرائيل وهنغاريا والارجنتين ،فإن الدول الاخرى التي رفضت القرار هي في الغالب تصنف كدويلات او دول قزمية ، فاغلبها لا يزيد عدد سكانها عن بضعة آلاف ( مثلا دولة نورو عددها حوالي 12 الف، ودولة مايكرونيزيا 114 الف،ودولة تونغا 105 آلاف، او دولة بالاو 18 الف..الخ)
7- من مراجعة قوائم التصويت يتبين ان الغالبية من الغائبين عن التصويت هم من افريقيا وامريكا اللاتينية، ولكن اذا علمنا ان مجموع دول الاقليمين هو 87 دولة(54+33 على التوالي) فان نسبة التصويت تعد عالية بشكل واضح ولصالح القرار.
ان المعطيات السابقة تشير الى أن الجهد الدبلوماسي الاسرائيلي وتهديدات نيتنياهو ستتركز في الايام القادمة على منع متابعة القرار ،وهو ما يستدعي وضع خطة دبلوماسية تقوم على :
أ- ضرورة السعي لنقل القرار الى مجلس الامن وتحت الفصل السابع ،ورغم الاحتمال الكبير باستخدام الولايات المتحدة لحق النقض الا ان التصويت يصبح مرجعية من ناحية ويتسبب في حرج دبلوماسي مستحق للولايات المتحدة من ناحية ثانية.
ب- ضرورة التفكير في كيفية توظيف المشروع الاممي “الاتحاد من اجل السلام” والذي شكل رافعة ضاغطة لصالح مستعمرات مثل جنوب افريقيا وناميبيا ..الخ. فهذا االمشروع –القرار في الحقيقة-(قرار الامم المتحدة –الجمعية العامة- 377 الذي يسمح للجمعية بالتدخل في قضايا السلم والامن الدولي عندما تفشل الجمعية في ممارسة مسئولياتها بسبب استخدام حق النقض(الفيتو).
ت- توظيف التصويت لتعزيز العزلة الدبلوماسية الاسرائيلية التي يتسبب فيها نيتنياهو لاسرائيل برعونته وتعاليه الواضح على كل القوانين الدولية .
ث- قد يدفع هذا التطور الدبلوماسي باتجاه حل الدولتين الى تسارع خطوات التهجير القسري من الجانب الاسرائيلي لوأد المشروع (رغم كل الظلم الذي فيه للفلسطينيين)، فاسرائيل تدرك ان وجود كيان فلسطيني سياسي يعني شخوص هذا النقيض للأبد ،مما يجعل الامر اكثر تعقيدا لاسرائيل ، لذا سيزداد الضغط على السكان بالتهجير وتزداد وتيرة الاستيطان لتغييب اقليم الدولة الفلسطينية المقترحة ، وستزداد قساوة الظروف في غزة.
من المؤكد ان هناك من سيقول ماذا يجدي كل ذلك ؟ والاجابة هو “ماذا لو كان القرار هو وقوف 142 دولة الى جانب اسرائيل” ورفض حل الدولتين ؟ ان ما يجري يكشف حجم الخوار العربي ،وان الراي العام الدولي اكثر نزاهة من أنظمة الشجب والادانة والثرثرة الدبلوماسية وأنظمة الهدايا ودبلوماسيي الإنابة ، نعم حل الدولتين فيه ظلم فاضح، ولكنه افضل من غيابه..ربما.
