السياسي – في ظهيرة الثلاثاء، بالضبط في موازاة الصواريخ التي أطلقتها طائرات سلاح الجو على فيلا قادة حماس في الدوحة، أطلق مكتب رئيس الحكومة صلية أكاذيب نحو الجمهور الإسرائيلي: “جميع رؤساء جهاز الأمن أيدوا العملية؛ بدون استثناء، وقيادة حماس السياسية هي العائق أمام عقد الصفقة”. وقد تم التلميح أيضاً إلى أن العملية رد صهيوني مناسب على عملية إطلاق النار في القدس.
تم دحض الأكاذيب بسرعة. رئيس الموساد، ورئيس الأركان، ورئيس هيئة الأمن القومي، اعتقدوا بوجوب استنفاد المفاوضات قبل عملية القصف. ولكن نتنياهو لا يريد الاستنفاد، بل القصف. وقد برز في هذا الموقف إيال زامير، الذي يجب تقديره بشكل خاص على تمسكه بقضية إعادة الاسرى. بذلك، يواصل خطه الأخلاقي والقيمي لسلفه هاليفي، ويعرف أن تحذيره بخصوص المس باحتمالية عقد الصفقة سيسقط على آذان صماء. زامير صمم على إسماع رأيه مع المعرفة بأن اعتبارات نتنياهو مختلفة كلياً، وأن هذه الفترة ستعكر العلاقات المتعكرة أصلاً.
الرؤساء احتفلوا بالنجاح. “أمرت جيش الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ العملية التي نفذت بشكل دقيق، وتدوي في أرجاء العالم”. هكذا تبجح نتنياهو في خطابة في متحف التسامح، قبل أن يملك دليلاً عن وضع أهداف الهجوم. “لقد انقضت الأيام التي كان فيها قتلة شعبنا يحظون بالحصانة”، زأر بغضب من أعطاهم هذه الحصانة. “على الأعداء معرفة شيء واحد، وهو أنه منذ إقامة دولة إسرائيل، لم يعد دم اليهود مشاعاً”. نعم، رأينا ذلك.
في لحظة تحولت قطر، “دولة معقدة، غير بسيطة وكثيرون يمدحونها، وكونها دولة غير معادية”، إلى شيطان بحد ذاته. في اليوم التالي لمحاولة الاغتيال، عندما تبين أن رقصة النصر كانت سابقة لأوانها ومبالغاً فيها، نشر نتنياهو فيلماً غاضباً نبح فيه باللغة الإنجليزية وتحدث عن “دول تستضيف الإرهاب”، التي إذا لم تعتقل من يزورونها فـ “سنفعل ذلك”.
تهديد صريح وفارغ من مضمونه (إلا إذا كان قد أصيب بالجنون تماماً) لمصر وتركيا. هذا الحوار المتطاول، الذي بث خيبة أمل وكفشل كامل أو جزئي للعملية، أثبت مدى تشوش رأي رئيس الحكومة، وإلى أي درجة هو غير مؤهل، ومنفلت العقال، ومتغطرس، تحركه الغرائز والدوافع، ويوجه كلامه لـ “القاعدة” الأكثر تطرفاً. خطر واضح وفوري على أمن الدولة ومكانتها الدولية.
يجب بتر “الذراع حماس السياسية”. لكن لكل شيء وقت وشكل. عملية “غضب الله” لقتل أعضاء وقادة منظمة “أيلول الأسود”، الذين كانوا المسؤولين عن قتل الرياضيين في أولمبياد ميونيخ في 1972، استمرت لعقدين. لقد نفذها عملاء الموساد في أرجاء العالم. لو كانت لنتنياهو ذرة من المسؤولية وحكمة غولدا مئير فإنه، وللدقة الكابنيت، كان سيستنسخ الأوامر التي صدرت في حينه. ولكنه في السنتين الأخيرتين، أحب صورة أزعر الحي، صورة “صاحب البيت أصيب بالجنون”، الذي يطلق الصواريخ في كل الاتجاهات ويقصف ويهدم بيوتاً في طهران وبيروت ودمشق وصنعاء، وبالطبع في قطاع غزة.
لقد رافق اغتيال قادة حماس أو قادة حزب الله دائماً “التقدير” الحكيم الذي يقول بأن قتلهم سيكون عاملاً إيجابياً في محاولة التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الاسرى. وهذا الأمر لم يثبت قط.
في هذه المرحلة من الحرب، وقبل لحظة من اكتمال سنتين على بدايتها، فإن كل شيء يجب اشتقاقه من مسألة واحدة فقط: مصير الـ 48 اسير الموجودين في الأنفاق، والقبور الارتجالية والثلاجات المنتشرة في القطاع. وكيف ستتم إعادتهم إلى إسرائيل قبل موت الأحياء بألم، واختفاء الموتى إلى الأبد. لا عاقل إلا سيقول بأن العملية في الدوحة، سواء نجحت أو لم تنجح، ستلين موقف قيادة حماس، العسكرية في القطاع والسياسية في قطر، وتجعلها تصرخ: “أريد هذا”. ما أصبح معروفاً من شهادات الاسرى المحررين هو أن أي عملية كهذه تجلب عليهم موجة من التعذيب القاسي، الجسدي والنفسي، والتي تضاف إلى عذابهم اليومي منذ 707 أيام.
نتنياهو يعيش بارتياح مع معاناتهم. سياسة التصفية التي يتبعها غير موجهة لحماس والاعداء الآخرين في الشرق الأوسط فقط. ففي موازاة ذلك، هو يعمل بجدية كبيرة على اغتيال صفقات إنقاذ الاسرى مرة تلو الأخرى، وبنجاح، سواء بنفسه بشكل صريح أو من خلال التسريب على لسان “مصدر سياسي”؛ سواء بواسطة الوكلاء مثل سموتريتش وبن غفير، أو بعملية عسكرية متبجحة ولها صوت كبير مثل التي نفذت في قلب الدوحة، والتي قضت على ما كان يبدو كمفاوضات على وشك الاستئناف، حسب مبادرة الرئيس ترامب.
الآراء والأنباء بخصوص الجانب الأمريكي في هذا الشأن متناقضة. ما الذي عرفوه، متى عرفوا وهل صادقوا على ذلك؟ ترامب، الذي يحب أن يكون متعهد الانتصارات فقط وليس زميلاً في الإخفاقات، أبعد نفسه بسرعة عن الحدث. الثمن السياسي الذي تدفعه إسرائيل، الذي من غير الواضح إذا حصل على المقابل العسكري، باهظ جدا – هي فقط بدأت في الدفع. ليس في دول اتفاقات إبراهيم فقط التي ستظهر تضامنها ودعمها لقطر في الأسبوع القادم، بل أيضاً في دول أوروبا، التي يعتبر كثير من زعمائها رئيس حكومة إسرائيل نوعاً من بوتين الشرق الأوسط.
بعد الدوحة، ستشخص الأنظار نحو قطاع غزة. تميز الأسبوع الماضي بإسقاط أبراج في مدينة غزة على يد الجيش الإسرائيلي. عمليات القصف التي تؤجل الدخول البري الكثيف إلى المدينة – عملية لا جدوى لها لأنه لا أحد يعرف كم بياناً مرعباً بدأ بـ “سمح بالنشر” سيكون في نهايتها. مشاهد الأبراج المدمرة كانت مرضية لقاعدة نتنياهو، ووفرت مادة لعروض وزير الاحتلال يسرائيل كاتس، الغريبة والصبيانية، في الشبكات الاجتماعية؛ وهي من جهة أخرى، تمنح رئيس الأركان زامير لحظة للتنفس، حيث يؤكد أن العملية ستنفذ بوتيرة مدروسة ودقيقة، وفقاً للمعايير التي تحددها القيادة المهنية، أي الجيش. يبحث زامير عن المنقذ الذي سيمنع العملية من الاستمرار ويؤدي في النهاية إلى عمل سياسي (الذي تتجنبه الحكومة بشدة)، بعنوان “إطلاق سراح الاسرى”. في الأسبوع القادم، يمكن توقع تصعيد إضافي في مواجهته مع مجلس الوزراء الذي سيتهمه بالتأكيد بالتباطؤ وعدم الشجاعة.
الدائرة التي فتحت بإعطاء أمر تنفيذ العملية في الدوحة، قد تغلق هنا بالضبط، مع ترامب الذي اضطر أيضاً هذا الأسبوع إلى امتصاص الشكاوى التي جلبها عليه نتنياهو، من شركائه في قطر وزعماء الشرق الأوسط وحتى من مؤيديه في الداخل. مبدأ نتنياهو هو مواصلة الحرب ما دام ترامب يسمح له بذلك، وما دمنا بعيدين عن موعد الانتخابات. عملية الاغتيال كان يمكن أن تخلق له صورة النصر المأمول التي تحمل الرقم الذي لا أحد يعرفه، والتي معها كان يمكن أن يعلن “قتلنا، حققنا وأنهينا”. في الوضع الحالي، ربما تجلب له صورة نهاية أخرى: حامضة وخالية من أي بهجة. قد يقوده إحباط متأجج في داخله إلى مناطق بالغة الخطورة، لن يدفع هو ثمنها، بل الجنود والاسرى وعائلاتهم.
-توأم التحريض
وجد أعضاء اليمين صعوبة في هضم انقضاض بن غفير ونتنياهو على المحكمة العليا في ساحة العملية في القدس. “الدم لم يجف بعد”، وهذان الفاشلان المتسلسلان، اللذان تسيل تحت أرجلهما وعلى أيديهما أنهار من الدماء، يحرضان ضد قضاة المحكمة العليا، الذين كل ما قضوا به هو وجوب تطبيق السياسة القانونية بخصوص السجناء الأمنيين في السجون الإسرائيلية.
الآن، لا سبب للتفريق بين الأزعر والكهاني الأصلي، وتقليده. نتنياهو سمع بن غفير وهو إلى جانبه، يتطاول بصورة وحشية على المحكمة العليا، وسارع إلى الانضمام وتوبيخ القضاة لأنهم لا يفهمون أن إسرائيل في حالة حرب. هو لن يسمح لأحد بتطويقه من اليمين، حتى لو كان الكهاني الأكثر حقارة.
ما ظهر في تلك اللحظة كعمل تلقائي هو جزء من استراتيجية نزع الشرعية عن قضاة المحكمة العليا قبل الانتخابات. الحملة الانتخابية الآخذة في الاقتراب ستشغل المحاكم جداً. خلال الحملة الطويلة، في يوم الانتخابات وربما أيضاً بعده. إن إلصاق لقب خونة لمن هم ليسوا بمؤيدين لهما، استهدف تمهيد الأرضية لخرق جماعي وتجاهل ورفض تنفيذ قرارات المحكمة التي ستصدر في هذه الأشهر. هذا هو الهدف الحقير.
إن المشهد المريض لوزير الفشل القومي، وللمتهم الذي هرب من المحكمة ووصل إلى مكان الحدث، حيث كان وجوده غير ضروري ومزعجاً جداً، مشهد يمكن تلخيص الأمر في قصة واحدة من الميدان، حدثتني عنها مراسلة غطت الحدث: عندما وصل بن غفير إلى مكان الحدث، تم إرسال الشرطة لدفع المراسلين والمصورين إلى الخلف بذريعة وجود “متفجرات مشتبه فيها”، وأن التجمع يتعارض مع عملهم. عندها، بادر مصور وقال للشرطة: “لكن بن غفير طلب منا التقاط صورة له”. في تلك اللحظة، تنحى رجال الشرطة جانباً وفتحوا المجال لوسائل الإعلام. بالنسبة لهم، كان هناك شخص واحد فقط يدير الحدث، لم يكن القائد.
يوسي فيرتر
هآرتس 12/9/2025
