رؤية ترامب وخطته لعرب آسيا إمارات، وولاية تركية وإسرائيلية

ميخائيل عوض

باي باي نظم وكيانات سايكس بيكو!

١
توم باراك، سفير أمريكا في تركيا، ومبعوث ترمب لسورية غرَّد: “منذ قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط وحدودًا مرسومة، ووصايات وحكمًا أجنبيًا. فقد قسّمت اتفاقية سايكس – بيكو سوريا والمنطقة الأوسع لتحقيق مصالح إمبريالية، لا من أجل السلام. وقد كلّف هذا الخطأ أجيالًا كاملة، ولن نسمح بتكراره مرةً أخرى”
وأضاف “لقد انتهى عصر التدخلات الغربية. المستقبل يعود للحلول الإقليمية، المبنية على الشراكات، والدبلوماسية القائمة على الاحترام. وكما شدد الرئيس ترامب في خطابه بالرياض بتاريخ 13 مايو/ أيار: “ولّت الأيام التي كان فيها المتدخلون الغربيون يطيرون إلى الشرق الأوسط لإلقاء المحاضرات عن كيفية العيش، وكيفية إدارة شؤونكم الخاصة”.
وقال “مأساة سوريا وُلدت من الانقسام. أما ولادتها من جديد فلا بد أن تكون من خلال الكرامة، والوحدة، والاستثمار في شعبها. ويبدأ ذلك بالحقيقة والمساءلة -وبالعمل مع دول المنطقة، لا بتجاوزها”
٢
تخال القائل منظراً من الحزب القومي الاجتماعي السوري، أو من رواد القومية العربية، أو من دعاة المشرقية و”السوراقية”، إلا أنه مبعوث ترمب لسورية! وكان يشغل سفير أمريكا في تركيا. واللافت أنَّ الجولاني وعلى غير القواعد الدبلوماسية والعلاقات بين الدول هرول، إلى تركيا ليلتقي المعلم الجديد برفقة إردوغان وفي قصر عثماني!!
٣
كلام موزون وذو دلالات تاريخية وجغرافية ورؤية مستقبلية، يُفصح عما يفكر فيه ترمب، ويكشف خلفيات تصرفاته التي عندما وقعت كانت ملفته ولكنها غير مفهومة.
هل أخطأ محمد بن سلمان عندما توسط وألَّح على ترمب ليلتقي الجولاني، ويعقد قمة رباعية معه بمشاركة إردوغان؟
فالمعطيات المستجدة تؤشر إلى أنَّ ترمب قد يفوض إردوغان ليس بسورية فحسب بل بالعراق ولبنان والأردن وفلسطين حتى لو بقيت إسرائيل، لإنفاذ رؤيته وكلامه الذي أكدَّه مندوبه لسورية: أنَّ المأساة تعمقت مع تقسيمات سايكس بيكو، وسورية تولد من جديد، والمطلوب أن تنخرط بإقليميةٍ جديدة تجاوز تقسيمات سايكس بيكو ومخططات الغرب السابقة…
٤
يا للهول!؛ أمريكا الترمبية قرأت في الواقع، وأدركت أنَّ نٌظم وجغرافية نواتج الحرب العالمية الأولى وكياناتها المصنَّعة قد انفجرت على نفسها، وانتفت وظائفها. والحاجة تفترض إعادة هيكلة العرب والإقليم على قاعدة تكبير الجغرافية، وإعادة صياغة النظم السياسية والاجتماعية.
يا للهول!؛ مازال “عناتر” وخبراء وجنرالات الفضائيات والمنصات وإعلامييها يجترون مقولات تقسيم المقسم وتصغير الجغرافية!، بينما رجال ترمب أدركوا ويخططون للتكبير والتوسيع!…
يا للهول؛ كل مثقفي ومنظري ومتبني نظرية الزعيم سعادة والقومية السورية، ومنظري وفلاسفة القومية العربية ودعاتها، ودعاة المشرقية، عجزوا عن فهم الواقع وحاجاته ومستلزمات المستقبل وتشكيلاته القابلة للحياة!.
5
ثلاثة فقط أدركوا وفهموا الواقع وحاجات اللحظة؛ داعش عندما أزالت الحدود بين سورية والعراق وأعادت صياغة التقسيمات الجغرافية الإدارية بدمجها. وترمب استفاق أخيراً.
وقبلهما كنا نتحدث ونكتب ونقول منذ الـ٢٠٠٠ وخسارة إسرائيل الحرب، لقد نضجت المنطقة لإعادة الفك والتركيب، وفقدت كيانات سايكس بيكو وظائفها، وسقطت محاولات تقسيم المقسم، وإدارة الفوضى المستدامة، ودنت فرصة العرب لعصرنة مشروعهم والعودة إلى التاريخ والجغرافية فلم يسمعنا أحد!!
ثم سطرَّنا فصولاً في المسألة في كتابنا عن “الانتفاضة وتحرير فلسطين أمرٌ راهن” والذي صدر سنة ٢٠٠٣ ثم كرَّسنا كتابنا الصادر في بيروت عن مكتبة بيسان ٢٠١٨ لرصد التحولات والتحفيز على التقاط الفرصة تحت عنوان: “العرب والمسألة القومية في القرن الواحد والعشرون-قراءة معاصرة في الأمة والدولة والعولمة” ودعونا إلى اتحاد نضالي لأمم الشرق لإنجاز التحرير والسيادة وإقامة مشروع إقليمي يلبي حاجات الأمم ويتساوق مع ما بلغته البشرية من تشكيلات ما فوق قومية وعالمية.
6
نبهنا كثيراً وأكدنا أنَّ التاريخ واستحقاقاته وحاجاته لا يرحم. وأنَّ الفرص سريعة التبخر. وقلنا العرب أمام مصيرين؛ إما يجددون في مشروعهم وينهضون، أو يذوبون ويتحولون إلى جماعاتٍ معبوثٍ بها ترثهم مرةً أخرى القوى الصاعدة. فالجغرافية لا تحب الفراغ.
وتأملنا أن ينهضوا حقاً، فهم وجغرافيتهم من خاضوا حرب القرن والعقود، وهزموا حكومة الشركات ولوبي العولمة وهي مهيمنة عالمياً ومتفردة، ومنعوا أمريكا من تحقيق قرنها في السيادة والتحكم بالعالم متعجرفة ومتوحشة. وتضحياتهم ومقاومتهم مَن أهلَت العالم للتغيرات البنيوية والجوهرية. ووفروا الأسباب والشروط لدفن النظام والعالم الانجلو ساكسوني وتوليد العالم الجديد..
٧
الترامبية في أمريكا وُلِدت بناتج هزائم وعجز لوبي العولمة، وما كلف أمريكا واستنزفها في الحروب مع العرب والمسلمين وفي جغرافيتهم، فتأسست شروط الترمبية كظاهرة قومية ساعية إلى إعادة هيكلة أمريكا نفسِها وتغيير بنيتها ووظائفها.
فترمب الثاني جادٌ وحازم ويسعى إن وفق ولم تنفجر أمريكا في وجهه أو يسقطه لوبي العولمة وحكومة الشركات، إلى تغييرها وتغيير وظائفها وبذلك سيسهم في تغيير العالم وتوازناته.
من الواضح أن العرب وإقليمهم محط اهتمامٍ وتخطيطٍ ترمبي، فحتى أمريكا المتحررة من لوبي العولمة وصناعة الحروب لن تقوم لها قائمة إلا إذا تمكنت من العرب وإقليمهم الحاكم بالجغرافيا والثروات، والمنافس إذا نهض أهله وتمكنوا من سيادتهم وثرواتهم وجغرافيتهم لأنهم سيغيرون ويسبقون الترمبية.
٨
ترمب في زيارته شفط الأموال وجفف قدرة الخليج على لعب دورٍ إلا دور التابع والممول لأمريكا الترمبية، واستبعد مصر وعرب إفريقيا وأشاد بإردوغان وتصالح مع الجولاني.
وخرج ممثله يرسم رؤيته ومشروعه لعرب آسيا بدءً من الشام.
فما كان مات، والبدائل مختلفة، وجاري تخطيطها وتأسيس قواعدها.
ترمب جادٌ وساع بسرعة، يتسابق مع الزمن، ويستعجل لوأد لوبي العولمة وحكومة الشركات وأدواتها.
هو براغماتي وليس عقائدياً، ولا فرق عنده عربي أو عثماني أو أعجمي، فما يريده هو إنفاذ مشروعاته وتحقيق رؤيته.
وعلى غير المنطقي فقد تصالح مع الجولاني، ويراهن على إردوغان، بعد أن نفض يده من نتنياهو وتثبت من عجز إسرائيل، وانكسار قوته في اليمن.
هل رهانه صحيح؟
حاجته لتركيا حاسمة في مواجهة إيران والصين وروسيا، وفي سعيه لوأد مشروع عربي إقليمي نهضوي.
إلا أن إردوغان صنيعة لوبي العولمة وأداته في الإقليم، وقد أسهم في إسقاط ترمب وحرمانه من ولاية ثانية عبر الاستثمار بقضية الخاشقجي، وأَخذ سورية على حين غرة، وقبل أن يتسلم ترمب البيت الأبيض متحالفاً مع نتنياهو الأداة العولمية أيضاً.
وتركيا دولة شائخة ومأزومة، وإخوانيتها اختُبِرت وتَبددت فرصها. والأرجح أنها ستخفق في وظيفتها الترمبية.
٩
والوالي التركي في سورية “الجولاني” عاجزٌ عن تلبية الشروط والتمكن من دور وظيفي لكل الأسباب. والمتضررون من رؤية ترمب وتولية إردوغان وكليه في العرب والمسلمين كثرٌ وأقوياء وقوى صاعدة وعلى اشتباك مع أمريكا حكومة الشركات ووريثها في الإقليم. فهل تلبي تركيا الإردوغانية وإمارات الخليج المهمة وتنجح؟!
الواقع ومعطياته وتوازنات القوى تجيب جازمة بـ “لا”
فهل ينقلب ترمب على إردوغان والجولاني حالما يثبت عجزهم؟ أكيد سيفعلها، فقد فعلها مع زيلنسكي ونتنياهو، ومع مجلس الأمن القومي والبنتاغون في أمريكا نفسها، وسيفعلها مع إردوغان والجولاني.
١٠
مازال الوقت متاحاً والفرصة ناضجة والشروط وافرة لتفاهمات وتحالفات، إذا نهض العرب وعصرنوا مشروعهم واهتدوا لفهم الواقع والجاري وما سيكون. وفهمه بات مهمة راهنة ويسيرة، مادام ترمب فهمه ويخطط للاستثمار به، والتأسيس للمستقبل.
إنها الفرصة الأخيرة والوافرة بشروطها النموذجية. والأهم أنَّ العرب والمسلمين بتضحياتهم ومقاوماتهم، هم من أهلوا الظروف للتغير في أمريكا والعالم. فَلِمَ لا ينهضون ويستثمرون، ومنهم الوليد ومنهم الرشيد، فَلِمَ لا يسودون ولِمَ لا يبنون؟؟؟