في اعقاب استشهاد يحيى السنوار الخميس 17 تشرين اول / أكتوبر الحالي تواترت ردود الفعل الإسرائيلية، باعتباره نقطة تحول في المشهد الفلسطيني، والحرب الجهنمية والكارثية منذ 382 يوما، زعيم المعارضة الإسرائيلية يئير لبيد دعا لاستغلال اللحظة والذهاب لإبرام صفقة التبادل، ووقف الحرب والتوجه للعمل السياسي، وكأنه يطالب بنيامين نتنياهو النزول عن شجرة الحرب، وكذلك دعا أفيغدور ليبرمان رئيس الائتلاف الحاكم بمقاربة جديدة للخروج من نفق الحرب غير محددة الأهداف. كما تحدث العديد من المراقبين العسكريين والإعلاميين لانتهاج سياسة تتوافق مع طبيعة المحطة الجديدة في سيرورة الحرب، واقتناص الفرصة لإخراج إسرائيل من دوامة الحرب الدامية، التي لم تحقق أي من الأهداف، وخاصة هدف رئيس الحكومة “النصر الكامل”، الذي لا أفق له في معادلة الصراع القائمة، أضف الى أن ذوي الرهائن الإسرائيليين طالبوا بالأفراج عن أبنائهم احياء قبل فوات الاوان، وحماية حياتهم من الموت في حال تواصلت الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وتوسعت دائرتها إقليميا، وغيرها من ردود الفعل التي لا تبعد كثيرا عن المتداول في أوساط المجتمع الإسرائيلي.
وكان أمام رئيس وزراء وائتلافه الحاكم خيارين، أما مواصلة طريق الإبادة الجماعية، أو الاستفادة من استهداف رئيس حركة حماس السابق والذهاب للحل السياسي. وكما نعلم حسم نتنياهو موقفه في ذات اليوم الخميس الماضي، الذي تم التأكيد فيه من قتل السنوار، وأعلن أنه تم تصفية الحساب مع رجل حماس القوي، وماض في خيار الإبادة الجماعية، وكان مهد مع اركان فريقه فوق النازي الحاكم في تنفيذ خطة الجنرالات في شمال قطاع غزة، الذي اعيد اجتياحه للمرة الثالثة، ومحاصرته بالموت والابادة والتجويع والامراض والاوبئة والتدمير المنهجي والهائل لبيت حانون وبيت لاهيا ومشروعها وجباليا المدينة والمخيم والنزلة منذ 18 يوما، حيث سقط حتى الان نحو 700 شهيد وما يزيد عن الالف جريح، بهدف تهجير السكان القسري لجنوب القطاع مبدئا، وابادة وقتل من يرفض التهجير، والاستعداد لإعادة الاستيطان في الشمال.
ومن الواضح أن دورة الدم والابادة مستمرة، ولن تتوقف حتى بعد الانتخابات الأميركية المقررة في 5 تشرين ثاني / نوفمبر القادم، أي بعد قرابة الأسبوعين من الان، وقد تتواصل الى مطلع العام القادم مع تولي المرشح الفائز بالانتخابات، وعلى ضوء النتائج سيحدد الرجل القوي في إسرائيل كيفية إدارة الحرب، ففي حال كان الفائز دونالد ترامب، المرشح الجمهوري، أعتقد ان نتنياهو سيواصل الإبادة الجماعية بذات الأساليب الوحشية، وفق الطريقة التي يتفق فيها مع الزعيم الأميركي الجديد. وفي حال تبوأت كمالا هاريس موقع الرئاسة سيكون التكتيك الإسرائيلي مختلف نسبيا. لا سيما وان لها رأيا مغايرا بحدود معينة عن ترامب. لكن في الجوهر أعتقد ان كلا المرشحين لديهما ثابت ناظم تجاه دولة إسرائيل اللقيطة، من حيث الدعم الكامل، وحمايتها من الملاحقة الأممية، ومواصلة تبني مقولة “من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها” وتسيدها على إقليم الشرق الأوسط.
وفي سياق ذلك، تجري في الغرف المغلقة مفاوضات دؤوبة أميركية أوروبية وإسرائيلية وبعض عربية، لترتيبات اليوم التالي للحرب في قطاع غزة، وكان أعلن بلينكن، وزير الخارجية الأميركية عشية وصوله اليوم لإسرائيل عن خطة تؤمن المصالح الإسرائيلية، ومنح الفلسطينيين بعض فتات من حقوقهم السياسية والقانونية. غير انه من المبكر التنبؤ بما سيكون عليه الوضع. لأن اللحظة السياسية الراهنة، قد تتغير مع ما تحمله نتائج الانتخابات الأميركية القادمة.
وعلى الصعيد الفلسطيني جرت مفاوضات يوم الأربعاء والخميس الماضيين بين حركتي فتح وحماس برعاية مصرية لترميم الجسور بين الحركتين، لإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية، وتمهيدا واستعدادا لليوم التالي للإبادة الجماعية. رغم ان الاجتماع لم يحمل جديدا لا بالمعنى الشكلي ولا النوعي، الا أن رحيل زعيم حماس السابق قد يسرع من اتخاذ خطوات أكثر جدية من المحادثات السابقة، دون أن يعني ذلك، أن الشهيد السنوار كان عقبة في طريق الوحدة، لكن استشهاده قد يدفع حركة حماس لإعادة نظر في سياساتها تجاه ملف الوحدة، لاعتبارات خاصة بما حمله رحيل الرجل القوي فيها من تداعيات على سياساتها.
المشهد مازال ضبابيا، وملتبسا، وغير واضح المعالم على الصعد الإسرائيلية الأميركية والفلسطينية، رغم وجود برامج وسيناريوهات عند الأطراف كافة، وكل منها سيحاول تعزيز رؤيته بما يخدم أهدافه.