السياسي – نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريراً عن الرصيف الأمريكي العائم الذي أقامه الجيش الأمريكي بكلفة 230 مليون دولار قبالة ساحل غزة، متسائلة هل هو مفيد أم فاشل؟
وذهب مراسلها لزيارة الرصيف عبر غزة، وسط الدمار والأرض اليباب، حيث مرّ من معبر نتساريم، الذي قطع القطاع إلى قسمين.
وعلينا الملاحظة هنا أن المراسل ربما ذهب مرفقاً بمعية وحدة إسرائيلية، نظراً لإغلاق الجيش الإسرائيلي غزة أمام الصحافة العالمية.
وجاء في التقرير: “على مدى الطريق الممتد على ستة كيلومترات من الأرض المقفرة، بدون أي إشارة للحياة المدنية، يقسم معبر نتساريم، كما يطلق الإسرائيليون عليه خاصرة غزة الضيقة من “حدود إسرائيل” إلى شاطئها على البحر المتوسط.
وتم تحويل البنايات على جانبي الممر إلى أنقاض. وفي الوقت الذي مضت فيه القافلة التي سافر فيها مراسل الصحيفة، لم يظهر أي فلسطيني على مدى النظر، فقط جنود إسرائيليون وعربات عسكرية، وصوت الحصى تحت عجلات العربات. ثم ظهر الأزرق المبهر، حيث ينتهي الممر في البحر والرصيف الفولاذي الضخم، الذي أنفقت الولايات المتحدة عليه 230 مليون دولار لتركيبه على شاطئ غزة”.
وفي آذار/مارس، عندما أعلن جو بايدن عن بناء الرصيف العائم، بدا في حديثه واضحاً ومباشراً، فغزة لديها مشكلة جوع، ويجب المساعدة فيها. والحل الأمريكي كان له صوت الأزيز، أي رصيف عائم سيبنيه الجيش الأمريكي ويشحنه من نصف الكرة الأرضية، ويجمع قطعه في البحر المتوسط. وسيكون، كما وعد الرئيس الأمريكي، نقطة تسمح بزيادة المساعدات وبشكل كبير.
وكان الواقع أكثر تعقيداً مما يتخيل الرئيس. وتم الانتهاء من بناء الرصيف في 16 آذار/مارس، ولكن الأمواج العالية دمرته سريعاً، ولم يعمل سوى ستة أسابيع.
وعندما زارت المجلة الرصيف، في 25 حزيران/يونيو، وكان مراسلها الأول الذي يصفه ويراه من داخل غزة، كان يعمل مرة ثانية.
وشاهدَ طائرتي شحن تقومان بإنزال حمولتهما في ساعة تقريباً. وسارت الشاحنات من القوارب إلى الممر العائم، ونقلت بالات في منطقة التجميع، وهي منطقة واسعة من الشاطئ التي جرفها الجيش الإسرائيلي، وأحاطها بالسواتر الرملية والحواجز الخرسانية.
وتقول وزارة الدفاع الأمريكية إن الرصيف نقل أكثر من 6,200 طن متري من المساعدات منذ اكتماله، أي ما يساوي حمولة 25- 30 شاحنة، لكنه أقل من حمولة 150 شاحنة يومياً، كما وعدت أمريكا، لكن الرصيف هو قطعة واحدة من العملية، فالإمدادات تدخل من خلال معبر كرم أبو سالم، الذي يعتبر المعبر التجاري الرئيسي في الجنوب، وخلال ثلاثة معابر رئيسية في الشمال.
وزعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري: “نحاول إنشاء أماكن مختلفة للدخول، ومن أجل تقليل الاحتكاك”.
وفي الربيع، قال عمال الإغاثة إن الأمور تتحسّن، لكن هذا التفاؤل كان قصير الأمد. وفي آذار/مارس، قالت منظمة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، وهي منظمة تقيس مستويات الجوع، إن مئات الآلاف من الناس في شمال غزة سيواجهون المجاعة في غضون شهرين. إلا أن آخر دراسة لها نشرت في 25 حزيران/يونيو وجدت إنه تم تجنب المجاعة، ولو مؤقتاً، بسبب زيادة الإمدادات في آذار/مارس.
لكن الأخبار السعيدة تنتهي إلى هنا، فقد قالت المنظمة إن 495,000 (أي حوالي 25% من السكان) يواجهون خطر الجوع، وإن هناك غالبية تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
وباع نصف سكان غزة ملابسهم لشراء الطعام، وواحد من كل خمسة يمضي أياماً وليالي بدون طعام.
ولمنطقة التجميع قرب الرصيف الأمريكي العائم بوابتان، واحدة في الجانب الغربي قرب البحر من أجل تخزين الشحنات، أما البوابة الشرقية فهي لسائقي الشاحنات الفلسطينيين الذين ينقلون المساعدات.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه لا شيء دخل أو خرج من هاتين البوابتين خلال الأسبوعين الماضيين، أو هناك حوالي 7,000 بالة معظمها من الطعام متراكمة في منطقة التجميع. وشاهد مراسل المجلة صفاً طويلاً من الشاحنات كلّها تحمل شعار برنامج الغذاء العالمي، حيث يصل الغذاء لغزة، ولا أحد يوزعه.
وتحمّل إسرائيل “حماس” مسؤولية التأخير، فقد “هاجمت الجماعة الرصيف، وكرم أبو سالم، من فترة لأخرى بشكل عرقل شحنات المساعدات”.
وقال هغاري: “مشكلة التوزيع من الصعب التغلب عليها”، و”يجب على المجتمع الدولي القيام بمزيد من الجهود”. إلا أن عمال الإغاثة يقولون نفس الشيء عن إسرائيل. ففي 25 حزيران/يونيو، حذرت الأمم المتحدة من أنها قد تعلق عملياتها في غزة، إلا في حالة تعاون الجيش الإسرائيلي ونسق معها. فإرسال قوافل الشاحنات لنقل المساعدات عادة ما يواجه عراقيل وتأخيراً، وعادة ما يكون في مناطق بدون اتصالات، ومعارك قريبة.
وقال ماثيو هولينغوورث، من برنامج الغذاء العالمي: “علينا طلب الضوء الأخضر لتحريك شاحنة فارغة، ثم الحصول على ضوء أخضر لتحريكها إلى نقطة ثانية”، و”لا تحصل إلا على ساعة عمل من 12 ساعة عمل”.
وتشير المجلة إلى أن الكثير من الفلسطينيين يتشكّكون بالرصيف العائم، ففي 8 حزيران/يونيو، حررت القوات الإسرائيلية أربعة رهائن، وكشف شريط فيديو عن أن الجنود المشاركين أنزلتهم مروحية قرب الرصيف العائم، ثم أجلتهم من غزة. وقد أثارت العملية الكثير من النظريات، وهي أن الأمريكيين بنوا الرصيف لأغراض عسكرية وليس لنقل المساعدات.
وفي كرم أبو سالم، حيث تتراكم المساعدات منذ أسابيع، شبّه هولينغوورث الوضع بأنه يشبه مشهداً من فيلم “ماد ماكس”، أو “ماكس المجنون”: “فأي شاحنة تمضي ستخسر الزجاج الأمامي، وسيحاول الناس الدخول” .
ومعظم هذا العمل من فعل جماعات الجريمة، التي تستخدم شاحنات المساعدة لتهريب الدخان (حيث يصل سعر العلبة إلى 25 دولاراً للواحدة). فلا أحد يوفر الأمن للشاحنات، لا إسرائيل ولا “حماس”.
وتؤكد الأمم المتحدة أن هدنة مستدامة هي الوسيلة الوحيدة لحلّ المشكلة الإنسانية. وهذا لا يبدو قريباً، ففي 23 حزيران/يونيو، عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي عن استعداد لصفقة جزئية يتم من خلالها الإفراج عن الأسرى لدى “حماس”. مضيفاً: “نحن ملزمون بمواصلة الحرب بعد التوقف”.
وأثارت التصريحات لشبكة تابعة لليمين المتطرف غضباً في إسرائيل، لأنه أظهر استعداداً للتخلي عن بعض الأسرى. كما أغضبت المسؤولين في واشنطن، لأن الرئيس بايدن صادق على خطة لوقف الحرب بشكل دائم، إلا أن نتنياهو تراجع عن تصريحاته، وقال إنه يدعم خطة بايدن.
وتصريحاته المتقلبة صورة عنه، خاصة أنه تردّدَ دائماً في الموافقة على صفقة لتحرير الأسرى، كما يريد معظم الإسرائيليين، أو مواصلة الحرب، كما يريد حلفاؤه في اليمين المتطرف.
من جهتها، تطالب “حماس” بضمانات قوية بشأن أيّ صفقة، وأنها ستنهي الحرب.
ومثل رصيفه العائم، خطط بايدن الدبلوماسية تتحطّم على أرض الواقع.