رياح واشنطن وسفن تل أبيب – هل يكون ترامب الثاني مختلفاً

السياسي – يرى مراقبون إسرائيليون أن انتخاب دونالد ترامب، وبنسبة عالية، يدلّل على احتمال تراجع فكرة النظام الديمقراطي والليبرالي، وأن العالم أمام ظاهرة تتعدّى حدود الولايات المتحدة. ويقارن عددٌ منهم بين ذلك وبين إطاحة نتنياهو بوزير الأمن غالانت.

في التزامن، ينبّه مراقبون آخرون من أن الاحتفال في إسرائيل بفوز مرشح الجمهوريين مبكّر، وربما يكون ترامب الثاني مختلفاً، لا سيّما أنه رجل أعمال وغير متوقّع، ومزاجه متقلّب.

صحيفة “هآرتس” العبرية، المناصرة للتوجّهات الليبرالية، عبّرت عن تشاؤمها بعد انتخاب ترامب بنشر صورة له خلفيتها معتمة تحت عنوان “إلى المجهول”، بعكس صحيفة “يديعوت أحرونوت” التي تخصّص صفحتها الأولى، اليوم، لصورة ملونة عملاقة يبدو فيها ترامب يشير بإصبعه للأمام، وهو يقول: “عدت”.

واشنطن- تل أبيب

أما صحيفة “يسرائيل هيوم”، التي تعتبر بوقاً لنتنياهو، وتملكها اليوم مريم أديلسون التي تبرّعت بـ 100 مليون دولار لحملة ترامب، مقابل وعدها بضم الضفة الغربية، فتصدر اليوم بحلّة احتفالية. ويقول عددٌ من كتّابها إن الرئيس المنتخب، ربما يكون غير متوقّع، لكن ذلك لن ينطبق على علاقات الصداقة والتعاون مع إسرائيل. في المقابل، هناك محلّلون إسرائيليون يقولون إن المديح الكبير في إسرائيل لهذا الفوز مبكّر، ويرشّون الماء البارد على حماسة اليمين الصهيوني الآن بالقول إن ترامب يهتمّ أولاً بنفسه، كما يقول المحلّل العسكري في “هآرتس” عاموس هارئيل.

التاريخ يكتب من جديد

وتحت عنوان “التاريخ يكتب من جديد”، يقول المحلل السياسي البارز نداف أيال، في “يديعوت أحرونوت”، إن الدليل على ترامب، وإنه بالنسبة للكثيرين، يرمز لنهاية ممكنة للنظام الليبرالي، بيد أنه شخص غير متوقع أبداً. ويعلّل ذلك بالقول: “كما اكتشفت إسرائيل في اتفاقات أبراهام، فإن إدارة ترامب قادرة على الدفع نحو نتائج إيجابية، لكن بحال تحرّك بدافع الانتقام، ويكون متركّزاً في القوة، فإن مستقبل أمريكا سيكون محفوفاً بالضباب السام”.

ربما يكون ترامب الثاني صهيونياً أكثر من بايدن، كما تبيّن في أقواله وأفعاله في الولاية الأولى، ولكن ربما تجري رياح واشنطن هذه المرة بما لا تشتهيه سفن تل أبيب، من ناحية وقف الحرب على غزة ولبنان، وعدم التصعيد مع إيران، ومن ناحية القضية الفلسطينية مواصلة الانحياز الأعمى للاحتلال، خاصة أنه غير متوقع ومزاجي ورجل أعمال رؤيته وأولوياته مغايرة، وهو قد سبق ودعا لتسوية الدولتين، وأوضح، في خطاب النصر، أمس، أنه لن يشعل الحروب، بل سينهيها.

ولا يستبعد المعلق الأمريكي البارز توماس فريدمان، الذي يرجّح، في حديث لإذاعة جيش الاحتلال، اليوم، أن ترامب سيكون كبايدن في موضوع إيران، مسانداً لإسرائيل بالدفاع لا في الهجوم على إيران.

وفي شأن القضية الفلسطينية والتطبيع مع السعودية، تابع فريدمان: “عليكم الحذر من ترامب، فربما يقول لكم: افعلوا ما تريدونه، دعوني من هذه المسألة ومن مشاكلكم”.

هذا ما يرتبط بمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي سيواصل ترامب وإدارته دعمها نتيجة مصالح متبادلة تقليدية وضغوط لوبيات صهيونية، رغم تصويت العرب والمسلمين له بشكل غير مسبوق، ولكنه ربما “ينهي الحساب” مع نتنياهو، الذي رفض تهنئته في انتخابات 2020، بعدما أعلن من طرفه أنه فاز على بايدن.

ويذهب محاضر إسرائيلي مختص بالاقتصاد والسياسة وعلم النفس (البروفيسور عران ياشيف) لحد القول، في مقال تنشره “هآرتس” اليوم، إن ترامب سيطرد نتنياهو من سدّة الحكم في أول فرصة لأسباب اقتصادية في الأساس.

أمريكا صوتت لصالح الماضي لا المستقبل

ويذهب مراقبون إسرائيليون كثر للحديث عن معنى وجودة الديمقراطية ومستقبلها في ظلّ حكم متزامن لترامب ونتنياهو من جديد. ترى الباحثة الإسرائيلية في الشؤون الأمريكية ياعيل شطرنهل أن الأمريكيين أظهروا مجدداً (بعد سقوط هيلاري كلينتون، عام 2016، مقابل ترامب) في سلوكهم الانتخابي الحالي أنهم غير قادرين على انتخاب امرأة رئيسة، رغم كل مساوئ ترامب وتوجهاته العنصرية وخطاب الكراهية والشعبوية والتحرش بالنساء وغيره.

ويتقاطع معها القنصل الإسرائيلي الأسبق في نيويورك ألون بينكاس، الذي يقول، اليوم، في مقال تنشره “هآرتس”، إن كامالا هاريس لم يكن لها احتمال بالفوز على خلفية طبيعة المجتمع الأمريكي ووجود دولتين أمريكيتين مختلفتين.

ويتفق معه المعلق المختص بالشأن الأمريكي ناتنئيل شلوموفيتش، في مقال تنشره الصحيفة ذاتها، بقوله: “إن هذه ليست فاصلة في كتاب التاريخ، بل هذه بداية عصر جديد، وسيكتشف الليبراليون أن الديمقراطيات تموت في وضح النهار”.

هذا ما أكد عليه المحلّل السياسي البارز في “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع، الذي قال أمس، تعقيباً على إقالة غالانت في ذروة حرب واستبداله بشخص غير مجرب ومتوسط القدرات: “إن الديمقراطية تموت بالتدريج”.

الأشرار والأخيار

وهذا ما يتركّز به المعلق السياسي رعنان شاكيد (“يديعوت أحرونوت”) بقوله: “أشرقت الشمس من جديد بعد إقالة غالانت، لكن إسرائيل تقترب من الظلمة المطلقة، ومن المهم، في هذه الفترة، التمسك بحقيقة أن أغلبية الإسرائيليين يعارضون نتنياهو وإدارته للأمور”.

وتحت عنوان “مفترسو الديمقراطيات”، تنضم المعلّقة السياسية ميراف بطيطو للمقارنات بين ما يحصل في واشنطن وما يحصل في تل أبيب، فتقول إن ترامب ونتنياهو سيتقاسمان طاولة يتداول حولها مصير الإسرائيليين، وبحال نجح ترامب بمنع نتنياهو من مأربه جعلها حرباً لا تنتهي، ربما نستطيع المشاركة في الاحتفالية المشبوهة بانتصار ترامب.

وتمضي في التنبيه من خطورة نتنياهو وأولوياته: “تم إلقاء الوزير صاحب الضمير شبه الوحيد في الحكومة في سلة المهملات من قِبل شخص متهم بتهم فساد، ومثله فاز شخص بالرئاسة الأمريكية. في هذه اللعبة انتصر الأشرار، وهم لا يخجلون من الاحتفال بذلك”.

كذلك، في افتتاحيتها، تحذّر “هآرتس” من جديد أن نتنياهو لا يدّخر شيئاً من أجل بقائه، ويجب أن يصحو الإسرائيليون الآن.

 ويتنبه أوري مسغاف، أحد معلقيها السياسيين، إلى أن توقيت الإطاحة بغالانت كان لافتاً، فقد جاء وأنظار الإسرائيليين والعالم تتجه لواشنطن لمتابعة الدراما السياسية الكبرى. ولكن ليس ذلك فحسب، إذ يشير إلى أن الإقالة تزامنت مع عيد ميلاد زوجة نتنياهو، سارة نتنياهو، المعروفة بمواقفها المضادة له، لكونه خصماً سياسياً لزوجها.

علامة فارقة

يُشار إلى أن أغلبية الإسرائيليين (52%) مع بقاء غالانت وزيراً للأمن، بينما 17% فقط يثقون بيسرائيل كاتس، الذي يبدأ اليوم مهمته كوزير أمن جديد.

 في كل الأحوال، تستبطن كل الأحداث، في العام الأخير، أن إسرائيل تشهد تغيّرات عميقة غير مسبوقة، أبرزها تغليب كفة الحسابات الفئوية على المصالح العليا، والتضحية بما كان يعتبر بقراً مقدّساً (سرقة وتزوير وتسريب مستندات سرية جداً على سبيل المثال) من أجل غايات ومآرب حكامها. وحالة السجال حول ذلك تفيد بأنه رغم الحرب الطويلة الخطيرة، ولحد معين بسبب تفاعلاتها، لم تخبُ نار الانقسامات الداخلية كون بعض جذورها عميقة، ومردّها اختلافات جوهرية اجتماعياً وسياسياً.

وترى الصحفية الإسرائيلية البارزة إيلانا ديان (القناة 12) أن يوم إقالة غالانت يومٌ تاريخي وعلامة فارقة، وعلى الإسرائيليين تذكّره، فهو يقول إن إسرائيل باتت دولة مع رئيس حكومة بدون خطوط حمراء، بصرف النظر عن موقف الإسرائيليين من الحرب التي يريدها حرباً لا تنتهي. منوّهة لخطورة الإطاحة كونها، وبخلاف مزاعم نتنياهو، جاءت على خلفية شخصية ذاتية فقط في أوج حرب خطيرة، ولأن غالانت أزعج الزعيم، وليس على خلفية خلافات مبدئية ونتيجة “أزمة ثقة”.

وتتابع: “أيها الإسرائيليون، اذكروا هذا اليوم… فنتنياهو يراهن على بلادة الإحساس، وعلى الذاكرة القصيرة، وسيقوم بالمزيد مما يفعله من انتهاكات خطيرة، منها إقالة بقية رؤساء المؤسسة الأمنية، كجزء من محاولته التفرّد بالحكم، وبإدارة الحرب، وبروايتها كما يحلو له هو شخصياً”.

شاهد أيضاً