رَحَلَ الرِّفاقُ بلا وُرودٍ…
دونَ وداعٍ …
ولا أَسْماءَ تُذْكِرُها الخُيولُ …
إذا تَقَدَّمَتِ الدُّرُوبْ…!
نامُوا على ظِلِّ البُرُوقِ،
وفي العُيُونِ …
نُعاسُ شَمسٍ لم تُوَدِّعْهُمْ،
ولا لَمَسَتْ جُرُوحَهُمُ الصُّحُفْ…
كانُوا هُنا،
مِثْلَ الحُرُوفِ ..
تُقاوِمُ النِّسْيانَ …
في صَفَحاتِ تاريخٍ مُغَيَّبٍ،
كانُوا يُجَرِّحُونَ الغَيْمَ …
إنْ جاعَتْ غَزَّةُ،
ويَغْرِسُونَ أَنْفاسَ الطُّفُولَةِ …
في فَمِ الرِّيحِ …
المُلَغَّمِ بِالصَّواريخِ والطَّوائِفْ…
يا مَنْ رَحَلْتُمْ،
لا النُّجُومُ تَعْرِفُ أَسْماءَكُمْ،
ولا القَصائِدُ تَسْتَطِيعُ …
أَنْ تَسْتَعِيدَ ظِلالَكُمْ في غَفْوَةِ القَصِيدْ…
لكنَّنا نَحْفُرُ وُجُوهَكُمْ …
في قَلْبِ هذا الجِدارِ المُرِّ،
نَصْنَعُ لَكُمْ مِحْرابًا مِنَ الطِّينِ والرَّمادِ،
ونَكْتُبُ:
“هُنا مَرُّوا،
فَانْتَصَبَتِ الحَياةُ بالرُّوحِ،
لا بالجَاهِ،
ولا بالنُّصْبِ التِّذْكارِيِّ …!”
لا تَسْأَلُوا عن أَسْماءٍ …
سَقَطَتْ مِن دَفاتِرِ الأُمَمِ،
فَأَنْتُمْ الوَجْهُ المُضِيءُ …
في سُؤالِ الهُوِيَّةِ،
أَنْتُمْ مَنْ صاغَ القَدَرَ …
مِن أَنْقاضِ الزَّمَنِ المَهْزُومِ…
هُنا،
في كُلِّ حارَةٍ،
وفي كُلِّ طِفْلٍ يَسْتَعِيرُ قُبْلَةً..
مِن وَجْهِ أُمِّهِ الشَّهِيدَةِ،
نَسْمَعُ أَسْماءَكُمْ تَنْهَضُ مِنَ التُّرابِ،
وتَقُولُ:
لا نُرِيدُ باقاتِ التَّرَحُّمِ…
نُرِيدُ وَطَنًا لا يُخْتَصَرُ في نَشِيدْ …!
رَحَلَ الَّذِينَ تُحِبُّهُمْ…
رَحَلُوا دُونَ وَداعٍ،
دُونَ نَظْرَةٍ أَخِيرَةٍ،
دُونَ خَيالٍ يُلَوِّحُ …
في ضُبابِ المَمَرِّ الأَخِيرْ…
رَحَلُوا إِلَى اللَّا مَكانِ،
حَيْثُ لا خارِطَةَ تُرْشِدُنا،
ولا بُوصَلَةَ تُنْقِذُنا …
مِن صَمْتِ الغِيابِ المُقِيمْ…
قَالُوا:
لَنْ نَعُودَ…
فَلا تَنْتَظِرْ….!
وقَطَعُوا الخَيْطَ بَيْنَنا وَبَيْنَ المَواعِيدِ المُؤَجَّلَةِ،
تَرَكُوا نَبْضَنا يَتَخَبَّطُ في دَوْلَةِ الانتِظارِ،
وفي جُمْهُورِيَّةِ الوَجَعِ المَفْتُوحِ على الأَبْوابِ…
رَحَلُوا،
لكنَّهُم عَالِقُونَ في أَسْمائِنا،
في وَقْتِنا،
في نَجْمَةٍ تَسْقُطُ على ناصِيَةِ الذِّكْرَى،
في جُرْحٍ لا يُشْبِهُ إِلَّا الحَياةَ إذا تَمَرَّدَتْ…
د. عبد الرحيم جاموس
31 تَمُّوز / يوليُو 2025
